من أهم تداعيات حرب العدو الصهيوني على غزة هي الخلافات الحاصلة داخل حكومة هذا العدو وموجة الاستقالات لعدد من وزرائها، واستقالات بعض أعضاء الكنيست، وكذلك استقالات العديد من القادة العسكريين بسبب «الفشل في الاستمرار في الحرب» و«إنهاء قطاع غزة» و«القضاء على حركة حماس» حسب آرائهم.
رغم مرور نحو 16 شهراً على هجوم «طوفان الأقصى»، الذي نفذته حركة «حماس» في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لا يزال التخبط يعصف بالمؤسسات العسكرية والأمنية والاستخباراتية في الكيان الصهيوني، وهو ما تجسده موجة استقالات تضرب الجيش والأجهزة الأمنية.
على المستوى السياسي ظهرت هذه التداعيات بشكل لافت في بيان استقالة وزراء حزب «عوتسما يهوديت»، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ويتسحاق فاسرلاوف وعميحاي إلياهو، حيث جاء فيه في ظل المصادقة على الاتفاق المتهور مع منظمة «حماس الإرهابية»، وإطلاق سراح مئات القتلة الذين تلطخت أيديهم بدماء رجال ونساء وأطفال، والذين يُطلق سراحهم، مع التنازل عن إنجازات الجيش الإسرائيلي في الحرب، وانسحاب قوات الجيش من مناطق القطاع ووقف القتال في غزة، في اتفاق يُعتبر استسلاماً لـ«حماس»، فإن حزب «عوتسما يهوديت» لم يعد جزءاً من الائتلاف.
أما أعضاء الكنيست من حزب «عوتسما يهوديت» الذين قدموا رسائل استقالاتهم من مناصبهم في اللجان المختلفة إلى رئيس الائتلاف الحكومي فهم تسفيكا فوغل وليمور سون- هار ميلخ ويتسحاق كرويزر.
إذن كافة الأهداف التي وضعها العدو في حربه على غزة باءت بالفشل ولم تتحقق. فبالرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه قطاع غزة من حيث الدمار وعدد الشهداء المرتفع وتدمير مجمل القطاعات، ها هي حركة حماس اليوم تترسخ وتنجح في ضمان استمرار حُكمها في القطاع، والانتصار هو من نصيب الغزاويين ومقاومتهم، والعدو انسحب من محور فيلادلفيا، والسكان الفلسطينيون يعودون إلى شمال القطاع، وعدد كبير من الأسرى الفلسطينيين المحكوم عليهم بالسجن المؤبد أطلق سراحهم، والمساعدات الإنسانية تشق طريقها إلى القطاع…
كل هذا يقابله شعور العدو بالإحباط إزاء الثمن الباهظ الذي دفعه. وبذلك تكون حركة «حماس» قد قطفت ثمار عملية السابع من أكتوبر، فيما الكيان الصهيوني لم يحقق أهدافه الكبرى والصغرى على السواء. وصمود غزة دفع بن غفير إلى الاعتراف بقوة حركة حماس والإقرار ب «أن الإفراج عن السجناء الفلسطينيين كارثة تمهد الطريق لـ 7 تشرين أول/أكتوبر جديد».
وبموازاة الاستقالات السياسية، ضربت هزة مماثلة الأجهزة الأمنية والعسكرية نتيجة الحرب على غزة. فخلال الشهر الحالي استقال عدد من كبار الضباط العسكريين بسبب الإخفاق في التصدي لهجوم السابع من أكتوبر.
في 22 من الشهر الحالي طالب رئيس أركان جيش العدو هيرتسي هاليفي (منصب رئيس الأركان هو أعلى منصب في الجيش) بإعفائه من منصبه بدءاً من السادس من آذار/ مارس 2025 معترفاً بالقول في كلمة متلفزة «في 7 أكتوبر، فشلنا في الدفاع والهجوم، وسأحمل نتائج ذلك اليوم الرهيب معي لبقية حياتي ولهذا أتحمل المسؤولية». استقالة هاليفي تأتي بعد أن وصلت علاقته بوزير الدفاع إلى الحضيض. وبذلك يصبح الجنرال هاليفي أكبر مسؤول عسكري يتنحى بسبب ذلك الهجوم في رسالة رسمية بعثها لوزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الوزراء نتنياهو، موضحاً أنه اتخذ القرار في ظل إدراكه للمسؤولية الملقاة على عاتقه.
وعلى هذه الاستقالة علق وزير الدفاع الأسبق زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» المعارض أفيغدور ليبرمان قائلاً: «بعد استقالة رئيس الأركان، أدعو رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة الآخرين إلى الاستقالة». أما زعيم المعارضة «الإسرائيلية» داخل الكنيست يائير لابيد فقد هنأ هاليفي على قراره بالاستقالة، ودعا رئيس الوزراء «وحكومته الكارثية»، على حد وصفه، تحمل المسؤولية والاستقالة على الفور. إلا أن نتنياهو متمسك بمنصبه خشية أن تقوده الاستقالة إلى الخضوع للمحاكمة.
إذن الاستقالات «الإسرائيلية» على خلفية الفشل العسكري والأمني والاستخباراتي في توقع هجوم «حماس» المباغت والتصدي له، فضح زيف دعاية تل أبيب عن قدراتها.
لقد قادت عملية «طوفان الأقصى» إلى تداعيات كبيرة على المستوى الأمني والعسكري وإلى سلسلة من الاستقالات في الأجهزة الأمنية. ففي 21 كانون الثاني/ يناير 2025 أعلن يارون فينكلمان رئيس القيادة الجنوبية العسكرية الإسرائيلية، التي تشرف على العمليات في غزة، استقالته أيضاً، مبرراً بالقول «في 7 أكتوبر، فشلت في الدفاع عن النقب الغربي، وسيبقى هذا الفشل محفوراً في ذهني لبقية حياتي».
وفي12 سبتمبر/ أيلول 2024 استقال قائد الوحدة «8200» الاستخبارية في جيش العدو يوسي سارييل. وبرر استقالته بالقول «في 7 أكتوبر لم أقم بالمهمة كما توقعت وكما توقع المرؤوسون والقادة». وفي التاريخ نفسه استقال قائد الشرطة «الإسرائيلية» في الضفة الغربية المحتلة اللواء عوزي ليفي.
في 11 تموز/ يوليو 2024 استقال قائد المنطقة الجنوبية في جهاز «الشاباك» جراء إخفاقه في التعامل مع هجوم «حركة حماس».
في 9 حزيران/ يونيو 2024 استقال قائد فرقة غزة في الجيش آفي روزنفيلد بسبب فشل فرقته في صد الهجوم، وتمكن مقاتلي كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، من احتلال مقار الفرقة.
سبق أن أعلن مسؤولون إسرائيليون مسؤوليتهم عن الفشل الاستخباراتي والعسكري في مواجهة «حماس»، وقدّم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) بالجيش أهارون هاليفا استقالته في 22 نيسان/ ابريل 2024 معلناً تحمله مسؤولية الفشل في 7 أكتوبر.
في 4 نيسان/ ابريل 2024 استقال عميت ساعر رئيس قسم لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية.
وفي نهاية كانون الثاني/ يناير الجاري، ربما يشهد جيش العدو المزيد من الاستقالات، إذ حدد وزير دفاعه يسرائيل كاتس هذا التاريخ موعداً لإنهاء الجيش تحقيقات داخلية في إخفاق 7 أكتوبر. وبذلك تكر سبحة الاستقالات وينفرط عقد حكومة بنيامين نتنياهو المتمسك بالحكم والمستمر في تعنته وإجرامه.