نهب التاريخ: جرائم منظمة تهدد ذاكرة الحضارات وتعبث بالهوية

سبق وتناولنا موضوع التزوير التاريخي وصراع المصالح وفندنا فيه عملية السلب وتزوير الأماكن الاثارية الجارية من قبل العدو اليهودي في كل من فلسطين والأردن ولبنان.

ماذا يحصل اليوم في الشام؟

 إن الحديث عن النهب والتزوير الممنهج للأثار، خاصة في مشرقنا النازف يُعد موضوعاً في غاية الخطورة لما له من تداعيات ثقافية وتاريخية كبرى. إن الاثار ليست مجرد شواهد مادية على الحضارات التي سبقت، بل هي جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية لاي شعب، وتُعد مصدراً مهماً لفهم تطور البشرية عبر العصور.

ومنذ اعلان الحرب الدائرة في سورية طبيعي ان يضع القادة اليهود العين على آثار سورية العظيمة حيث لن يكتفي هذا العدو ما خلفته العصابات التكفيرية وداعش من تدمير ممنهج طال أعرق المناطق الاثرية تدمر نموذجاً.

ما لفتني اليوم قراءة خطيرة عن سرقة وعبث الاثري القائم، حيث تزامناً مع قتل وتصفية العقول والعلماء السوريين تقوم فرقاً إسرائيلية لديها خرائط عن المواقع الاثرية في سورية بعملية نهب ممنهجة للأثار إضافة إلى ما يقوم به بعض المجرمين من المواطنين المحليين بنهب الاثار ونقله إلى تركيا ومن ثم بيعه في أوروبا!!!

 1 ـ خطر النهب الاثري:

منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي وقادته الدينية والسياسية لم تتوقف الجهود مطلقا عن نهب آثار هذا المشرق والتخطيط له لأنه جزء من محاولة إعادة بناء السردية التوراتية والتي اثبتت علمياً بانها خرافة، بل وصناعة بشرية واللافت ان هناك تقارير عديدة تؤكد ان فرقاً إسرائيلية تقوم بحفريات غير قانونية مستغلة حالة الحرب أو الفوضى لنهب تلك المواقع الاثرية دون أي رقابة أو محاسبة ان كان في فلسطين أو الأردن أو لبنان والان الشام، مما يؤدي إلى فقدان كنوز ثقافية فعلا لا تقدر بثمن.

2 ـ تداعيات النهب الأثري التاريخي:

إن فقدان الشواهد والأدلة الاثرية يعني فقدان القدرة على فهم تاريخ المشرق بشكل علمي وموضوعي وتداعيات هذا النهب يتم من خلال استغلال الاثار المسروقة في الترويج لروايات توراتية زائفة تخدم الأغراض الدينية والسياسية اليهودية، ولان الاثار تمثل ذاكرة الامة وقلبها وروحها، تدميرها أو سرقتها يعني قطع صلة الشعب بتاريخيه وثقافته، وان حدوث هذا الانفصال يسهم في تعزيز الانقسامات الداخلية وتفاقم الازمات الثقافية بمعنى آخر خسارة التراث الوطني.

وفي هذا السياق ايضاً لا بد له من ان يكون له تأثيراً على الاقتصاد الوطني، حيث ان السياحة الثقافية تعتمد بشكل أساسي على تلك المواقع الاثرية ففقدانها وخسارتها يعني خسارة مصدر دخل هم للبلد.

3 ـ هل يمكن التصدي لهذه الظاهرة؟

بالرغم من صعوبة واهمية الموقف وحالة الحرب القائمة، لا بد من الجميع التكاتف في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة واخص بالذكر هنا علماء الآثار والتاريخ والجامعات والمفكرين التحرك وبأسرع وقت ممكن لمباشرة الاتصال بالمؤسسات الدولية اليونسكو نموذجاً على زيادة الوعي حول خطورة ظاهرة النهب الاثري وضرورة حماية التراث الثقافي، وفرض عقوبات صارمة على الدول أو الجماعات وحتى الأفراد التي تتورط في نهب أو تهريب الأثار.

العمل على التوثيق الرقمي للأثار بتقنية ثلاثية الابعاد بشكل يساهم في حفظ ادق التفاصيل حتى إذا ما تعرضت للنهب أو التدمير، ثم العمل على تفعيل وتعزيز القوانين الدولية مع تشديد الرقابة على الأسواق السوداء المحلية والدولية.

العمل على التوعية المحلية للمجتمعات المحلية وللمواطنين لشرح أهمية والحفاظ على التراث الاثري كجزء من الهوية الوطنية.

ختاماً ان الدفاع عن الآثار ومقاومة نهبها وسرقتها لا يقل أهمية عن المقاومة العسكرية في وجهة العدوان، حيث ان المقاومة الثقافية هي مقاومة عن هوية الامة وذاكرتها الثقافية، لذلك فان أي مشروع وطني لا يمكن ان يكتمل دون شمول الجانب الثقافي، باعتباره خط الدفاع الأساسي عن روح الوطن.

ان الحفاظ على التراث الاثري هي معركة لا تقل شرفاً عن أي نضال، بل هو واجب على الجميع شعوباً ودولاً ومؤسسات وجامعات لحماية حق الإنسانية في معرفة تاريخها الحقيقي وصون هويتها المتنوعة.

وكما قال المؤرخ والباحث اللبناني أسد رستم (1879-1965) « إن ضاع الأصل ضاع التاريخ »

باحث في علم الاجتماع *

المصادر والمراجع:

1 ـ عبد الله غيث ـ حماية التراث الثقافي في مناطق النزاع ـ دار الفكر العربي- 2016 ـ ص: 88-95

2 ـ جورج ميتشل ـ نهب الأثار في الشرق الأوسط ـ جامعة أكسفورد ـ 2017 ـ ص: 122-135

3 ـ محمد عبد الله المصري ـ نهب الأثار جريمة دولية ـ دار النهضة العربية ـ 2019 ـ ص: 48-59

4 ـ باسل الطائي ـ التاريخ والهوية دراسات في التراث- مركز دراسات التراث- 2015 ـ ص: 65-80

5 ـ روبرت كيرشنر ـ السوق السوداء الدولية للأثار ـ دار روتليدج ـ 2018 ـ ص: 178-192

6 ـ جوليان ماثيوز ـ التراث الثقافي في سورية والعراق- دار برينسون- 2016 ـ ص: 93-109

7 ـ جوناثان مارش ـ توظيف التراث في الصراعات السياسية- جامعة كامبريدج ـ 2019 ـ ص:34-47

8 ـ التراث المفقود: تقرير اليونيسكو عن تهريب الاثار في الشرق الأوسط- منظمة اليونيسكو 2020- ص: 22-45

9 ـ ادوارد سعيد ـ الثقافة والمقاومة دور التراث في مواجهة الاحتلال- مؤسسة الدراسات الفلسطينية- 2003 ـ ص: 112-128

10 ـ ديفيد ايفانز- دور التكنولوجيا في حماية الأثار- جامعة هارفرد ـ 2021 ـ ص: 89-102

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *