لقد مر لبنان بتحديات كبيرة في السنوات الماضية، حيث عانى الشعب اللبناني، نتيجة الانقسامات والفساد المستشري واستهتار المسؤولين، من القهر والإذلال ومن أزمات متلاحقة وأوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة. تفاقمت هذه الأوضاع نتيجة العدوان «الإسرائيلي» الأخير الذي أدى إلى دمار واسع وخسائر بشرية كبيرة، إلى جانب النزوح من المناطق المتضررة. ومع ذلك، يبقى الأمل مشتعلاً في قلوب اللبنانيين، خاصة مع انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية.
بارقة أمل مع عهد جديد
يأتي انتخاب الرئيس جوزيف عون، الذي يتمتع بنظرة إيجابية ورؤية مستقبلية لبناء دولة عصرية، كخطوة مفصلية وبادرة أمل جديدة لبدء صفحة جديدة في تاريخ لبنان. في خطاب القسم، أكد الرئيس على التزامه بإجراء إصلاحات جدّية وشاملة تؤدي إلى بناء الدولة المؤسساتية الحديثة. أولى الخطوات تبدأ بتحقيق الوحدة الوطنية واستعادة الثقة بين الدولة والشعب. هذه المرحلة تمثل فرصة حقيقية للبلاد للابتعاد عن ممارسات الفساد السابقة والتوجه نحو إصلاح جذري وشامل. فبدون إصلاح شامل، يصعب مواجهة التحديات اليومية مثل الفقر، والبطالة، وهجرة الشباب، والضغوط الطائفية، فضلًا عن حماية السيادة الوطنية في وجه التهديدات «الإسرائيلية» وأطماع القوى الكبرى؟
الأولويات الملحّة للإصلاح
مكافحة الفساد
تعتبر مواجهة الفساد والتخلص من الممارسات التي استنزفت موارد الدولة من أهم أولويات المرحلة القادمة. وتستلزم هذه المهمة، أولاً، محاسبة تجار الهيكل السارقين والمنتفعين والمسؤولين عن التجاوزات المالية والإدارية ونهب المال العام والتعامل معهم بعزم وشجاعة، وثانيًا، بناء مؤسسات تعمل بشفافية تامة وتخضع للمساءلة. اليوم، تمثل هذه الجهود فرصة للتطهير المؤسساتي وإجراء إصلاحات عميقة في جميع مجالات الدولة والنظام.
القضاء على الطائفية
الطائفية التي نخرَت جسم النظام السياسي اللبناني على مدى عقود تجعل الإصلاح السياسي أكثر صعوبة. الحل يكمن في إلغاء الطائفية وفصل الدين عن الدول وإيجاد قانون مدني واحد يساوي بين جميع المواطنين دون أي تمييز طائفي أو سياسي، إضافة إلى تحديث القانون الانتخابي لضمان تمثيل عادل وحقيقي لجميع اللبنانيين.
إصلاح القضاء
يشكل إصلاح القضاء محورًا رئيسيًا في بناء دولة القانون والمؤسسات. لابد من ضمان استقلالية القضاء ومنحه الأدوات اللازمة ليكون قوة فاعلة في مواجهة التجاوزات والفاسدين والمتاجرين بالوطن. إن نزاهة القضاء هي الركيزة لتحقيق العدالة وبث الثقة بين المواطنين.
تعزيز البنية التحتية والنمو الاقتصادي
التزام الحكومة بإصلاح القطاعات الأساسية، مثل الكهرباء والبنية التحتية، وإعادة بناء ما دمره العدوان «الإسرائيلي» يُعد خطوة أساسية لاستعادة ثقة الشعب. تطوير مرفأ بيروت وإنشاء مشاريع إنمائية حديثة يمثل أولوية لتعزيز الاقتصاد الوطني وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
بناء النفوس وتثقيف المجتمع
إحدى الخطوات المهمة نحو الإصلاح تتمثل في بناء مجتمع قوي ومحصّن بثقافة وطنية قادرة على الدفاع عن حقوقه والمطالبة بحياة أفضل. يتطلب ذلك العمل على التربية الوطنية، وتعزيز قيم المواطنة والانتماء، والتخلص من الأفكار الطائفية والانقسامات التي تقود إلى الصراعات. الإصلاح ليس مجرد مشروع للدولة بل هو تغيير جذري في ثقافة الشعب، فلا بد من تحرير نفوسنا من عبودية الخنوع والاستسلام للحال الراهنة.
لبنان والمحيط القومي
حلم الدولة العصرية الذي طال انتظاره يتطلب تفكيرًا سليمًا نحو تبني سياسات تعيد لبنان إلى محيطه القومي الطبيعي والاهتمام الجاد بالمصالح المشتركة مع هذا المحيط.
رؤية مستقبلية للبنان
يمثل الأمل الذي يحمله اللبنانيون عنوانًا للعهد الجديد، حيث تسود تطلعات نحو تحقيق التنمية المستدامة وتكريس مبادئ العدالة والمساواة. لا شك أن تحقيق النهضة الوطنية يتطلب ترسيخ الوحدة وتعزيز الولاء الوطني، فضلًا عن بناء مجتمع متماسك قادر على التجديد والابتكار.
لكي يظل الأمل مشرقًا، يجب على كل لبناني أن يتحمل مسؤوليته من خلال النهوض بهذه الورشة الإصلاحية. فإن لبناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، والحفاظ على السيادة الوطنية، فإن البوابة الوحيدة إلى هذا المستقبل المشرف هي بدء الإصلاح الجذري الذي يأخذ في عين الاعتبار مصالح الشعب أولاً، لا مصلحة السياسيين أو المصالح الخارجية.
بقيادة الرئيس الجديد، يبدو لبنان أمام فرصة تاريخية لتحقيق تطلعات شعبه في بناء دولة مدنية حديثة تضمن حقوق الجميع، وتواجه التحديات بحزم ومسؤولية، مما يجعل الأمل بمستقبل أفضل أكثر إشراقًا من أي وقت مضى.