“كذبة الديمقراطية” في كيان العد ومنتهية الصلاحية

لطالما تغنى الغرب ب “ديمقراطية” الكيان الصهيوني الذي اعتبر منذ قيامه “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق”. وقد عمل الصهاينة على تسويق هذه المقولة ونشرها وإقناع دول العالم بها معتمداً على الإعلام الغربي الواسع الانتشار. إلا أن هذه الكذبة “كذبة ديمقراطية اسرائيل” تكشفت وبشكل فاضح مع عملية “طوفان الأقصى” وما خلفته من اهتزاز في الوضع الداخلي في الكيان على كافة الأصعدة، فكُشف المستور وبانت عورات “الديمقراطية”.

ولأن الاقتصاد مرتبط بالسياسة، يتابع اقتصاديون كبار في كبرى عواصم الدول الغربية ومدنها، من واشنطن إلى فرانكفورت وطوكيو وبروكسيل، عن كثب حالة الضياع التي تسود ” إسرائيل”، مع بدء اندثار الديمقراطية الوحيدة في الشرق حسب قناعتهم. ولا يمكن الاستهانة بهذه الدول التي تتركز فيها جميع المؤسسات الاقتصادية المهمة في العالم لا سيما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCED والممثلية الأوروبية، وأيضاً البنوك الكبيرة في العالم، وشركات تقييم الائتمان.

الخطوات التي اعتمدها الكيان الصهيوني والتي تدل على تراجع الديمقراطية فيه تمثلت بإغلاق هيئة البث العام، وتوسيع الحصانة البرلمانية، والسماح للشرطة بإلقاء قنابل على متظاهرين، والامتناع عن تعيين رئيس للمحكمة العليا، وإقالة المستشارين القضائيين المستقلين داخل وزارات الحكومة، والسماح لرئيس حكومة العدو بتعيين مفوض الخدمات الجماهيرية. وهذه الاجراءات يعتبرها هؤلاء الاقتصاديون اقتراب نهاية الديمقراطية في دولة “كانت الوحيدة التي لديها نظام حُكم كهذا في الشرق الأوسط، وهو نظام ساعدها وساعد أداءها الاقتصادي، والثقة بها في عالم الاقتصاد على مدار 76 عاماً من وجودها”.

وفي سياق متصل يشهد الكيان الصهيوني تخفيضاً للتقييم الائتماني للمرة الثالثة، خلال الأشهر التسعة الماضية، مما يقرّب هذا الكيان من دول العالم الثالث الضعيفة. فإغلاق هيئة البث العام، أو السيطرة على تعيين القضاة والمفوض العام، يؤثر على التقييم الائتماني الاقتصادي لدولة “إسرائيل” في العالم. والواضح أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي يقود تفكيك النظام الديمقراطي في “إسرائيل”، يعرف جيداً أن دولة لا يوجد فيها قضاء عادل، ويعمل المستشارون القضائيون بإمرة الوزراء، ولا يوجد فيها إعلام حر، وتقوم الشرطة بفضّ التظاهرات باستعمال القنابل هي دولة منبوذة اقتصادياً. يضاف إلى ذلك، عوامل الاستثمارات والمستثمرين الذين يفرون بطبيعة الحال من دولة أصبح قضاؤها وإعلامها وسلطة ضرائبها محكوماً من النظام السياسي.

على خط آخر فإن “اسرائيل” إذا كانت تمارس “الديمقراطية” مع مواطنيها، فإنها تحجبها عن الفلسطينيين قانوناً وممارسة. وهذا ما يطلق عليه قانون الفصل العنصري. وقد شاء الغرب التجاهل بأن هذه الدولة “الديمقراطية” هي دولة محتلة وأن احتلالها هو الأطول في التاريخ الحديث، وأنها لا تطبق القانون الدولي على الأراضي المحتلة، وتواصل توسعها وكذلك بناء المستوطنات، وهما أمران يشكلان خرقاً واضحاً للقانون الدولي وتحدياً له.  

إذن هذه “الديمقراطية الإسرائيلية” المزيفة بدأت بالاهتزاز مع وصول الائتلاف “الإسرائيلي” اليميني العنصري بقيادة بنيامين نتنياهو إلى السلطة، خصوصاً بعد محاولته تقويض النظام القضائي “الإسرائيلي” ونسف مبدأ نظام الفصل والتوازن الذي يشكّل أساس الديمقراطية التي تمنع استئثار سلطة على أخرى.

بعد مقتل أكثر من سبعة وعشرين ألفاً من المدنيين الفلسطينيين، جلّهم من النساء والأطفال، لا تستطيع “إسرائيل” مواصلة الادعاء بالدفاع عن النفس. بعد تدمير غزة شبه الكامل وتحويلها إلى أرضٍ غير قابلة للسكن، لا تستطيع “إسرائيل” الادعاء أنها لا تهدف إلى تنفيذ التطهير العرقي. من هنا يُعتبر اتهام محكمة العدل الدولية، أعلى سلطة قضائية في العالم، كيان العدو بالإبادة الجماعية خطوة غير مسبوقة.

ما تكشف عن حرب الكيان الصهيوني على قطاع غزة من مجازر وتدمير وانتهاك لأبسط حقوق الناس، وضع المجتمع الدولي والمدني أمام حقيقة هذا الكيان المزيف والمغلف “بالكذبة الديمقراطية”. ولم يعد بإمكان الغرب لا سيما الشعبي منه دعم التطرف الديني والعنصرية والاحتلال إلى ما لا نهاية، فضلاً عن تصديق العدو بعد اليوم مقولة المعاداة للسامية، الحاضرة على الدوام.

أحد المشرعين القانونيين المحامي “أورين لين” أكد في مقال له في صحيفة “معاريف” أن “الديمقراطية التي يتغنى بها الإسرائيليون ويتفاخرون بها على غيرهم، تتطلب التقيد الصارم ببعض المبادئ والقيم الأساسية، وأن مجرد التصويت وانتخاب ممثلين للكنيست ليس هو العنوان للديمقراطية الحقيقية”. وفي سياق مهاجمة حكومة نتنياهو، يقول “نحن لسنا ساذجين تماماً، وليس لدينا أي نية للسماح لمسؤولينا المنتخبين بفعل ما يريدون. في الواقع، عهدنا إليهم بمسؤولية الإبحار بالسفينة، لكننا لم ننقل السلطة المطلقة إليهم. ونحن جميعاً، ما زلنا نجلس في هذا القارب”.

المعهد البحثي السويدي “في ـ ديم” ذكر في تقرير صدر حديثاً أن “اسرائيل تراجعت في مقياس الديمقراطية من فئة “ديمقراطية ليبرالية” إلى “ديمقراطية انتخابية”، وذلك بسبب “الانخفاض الكبير في مؤشرات قياس الشفافية والقدرة على التنبؤ بالقانون، وهجمات الحكومة على السلطة القضائية”. وأثنت بعض تحليلات صحافة العدو على مسألة تراجع الديمقراطية في الكيان الصهيوني. واعتبر الباحث السياسي “الإسرائيلي” الحنان ميلر، أن مؤشر تراجع الديمقراطية والشفافية أمر “مقلق بالنسبة للإسرائيليين”، إذ “يعكس حالة التراجع التي تشهدها المعايير الديمقراطية في الحياة السياسية بالبلاد”.

ونشرت صحيفة “هآرتس” تقريراً عن شروع حكومة العدو في عملية “استحواذ ناعم” على باقي المؤسسات عبر إصدار مشاريع قوانين وقرارات تخدم مصالحها، كما يعكس كيف تتم “عملية الاستحواذ” دون أن يتم كشفها.

وفي هذا السياق، تم رصد تصريحات لرجال قانون “اسرائيليين” تفيد أن الديمقراطية إلى تراجع في ظل حكومة اليمين المتطرف. فقد أشار الباحث القانوني ليمور يهودا، في تصريح لهآرتس، إلى أن “الهدف العام للحكومة هو مواصلة تقييد الحريات الديمقراطية والانتقال إلى حكم أكثر استبدادية”.

بدوره تحدث أستاذ القانون الدستوري في جامعة ريشمان، آدم شينار، عما وصفه بـ “الانقلاب على النظام”، مشيراً إلى “كل الإجراءات التي تعمد إليها الحكومة لتعزيز سلطتها على حساب المؤسسات الأخرى، بما في ذلك الكنيست والخدمة العامة”.

من جانبها، أرجعت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” انخفاض ترتيب الديمقراطية في “إسرائيل” إلى جهود الحكومة لتمرير “الإصلاح القضائي”، والتشريعات التي تمنع محكمة العدل العليا من إلغاء القوانين التي تعتبر “غير معقولة”.

وخلال الأشهر الماضية، أبدى أعضاء ائتلاف رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، المكون من الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة عداء صريحاً وانتقدوا المحكمة العليا وهي أعلى هيئة قضائية لديهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *