منذ نهاية الحرب العالمية الاولى ونحن في هذا المشرق في حيص بيص من امرنا حول الهوية الجديدة التي يجب تبنيها. قد تكون للبعض مسألة غير مطروحة اذ اننا لآلاف السنين والدين هو السلطة المقررة في هذا الأمر والأرض او البيئة الطبيعية انما مسألة عرضية. ليتبين لاحقاً ان الدين ليس المقرر في الهويات الجديدة وأصبح هناك مقرر آخر الارض وتشكل المجتمع والتاريخ. هذا التراجع للدين ما زال البعض يقاومه علما ان المعتقد الديني في منطقتنا أطلق اسم العائلة على الجغرافية وهو في طريقه لإخراج الدين من كونه مقرر في سيرورة الدولة.
الأوضاع التي استجدت في دمشق مؤخراً، تنبئ بهزيمة الهوية التي اختارتها هي وشقيقتها بغداد اي الهوية العربية. فالرسالة الخالدة لكليهما فشلا في الحفاظ عليها او حتى تثبيت المفهوم الذي تبنياه بعد اعتلاء سدة السلطة على مدى أكثر من نصف قرن، الامر الذي بالطبع سيحتم العودة لمسألة حيص بيص الهوية من جديد لتعود فكرة ان المذهب يقرر وليس الدين هذه المرة.
انتكاسة الفكر العروبي فشل الهوية الجديدة رافقه منظومة حكم غالت بكل شيء إلا ببناء الدولة من تحرير فلسطين شماعة الأنظمة العربية على خلافها، إلى توجيه التهم يمنة ويسرة بحق كل من يطالب بحق او يدلي برأي لم يصدر عن اجهزة الامن المختلفة. في نهاية الأسبوع قال وزير خارجية دمشق ان الدول الغربية تريد تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ علما ان البعثي السابق مذيع الجزيرة في الاتجاه المعاكس اسبوعياً منذ إطلاق الجزيرة وهو يردد المقولة فهل كان معاليه متابعاً لمجريات الأمور ام انه لم يتلق امراً لأخذ الاحتياطات اللازمة للمصطادين الغربيين بمياه عكرنا المستدام.
لا شك انه صراع الامم للبقاء من بكين لموسكو وصولا لواشنطن صراع الامم هذا يتطلب منا تحديد الامة التي علينا الصراع من اجلها، في حالتنا الكيانية الحالية ولا يمكننا معها خوض الصراع والانتصار او اقله البقاء، فالأمور تنذر بمرحلة انتدابية جديدة سيضاف اليها وجوه جديدة قديمة من فرس وترك ناهيك عن القدامى منهم، وصراعاتنا المذهبية والسلطوية وحتى الاثنية والقبائلية.
لا أحد يعلم كيف ستزداد مع وجود المغالين بالتوجه المذهبي في بغداد ودمشق وحتى بقلب فلسطين اضافة إلى هواة اللعب السياسي بكل عقائد الارض في لبنان اللاهثين وراء الغرب منهم والشرق.
لمواجهة كل التوجسات الآنفة، على الجميع اجراء مراجعاتهم كل بنفسه ليصار إلى إطلاق حوار جريء وبناء بين المراجعين، والاستفادة من التجارب التي خيضت وأسباب الفشل وتعيين سبل النجاة.
هناك فرصة للإنسان مع كل ازمة تواجهه، اما ان تقضي عليه وأما ان يتجاوزها باعتماد العقل والمنطق والحكمة آن الأوان للجميع بالتفكير خارج صناديقهم المعتادة.