ساعات قليلة كانت كافية لتنهار المدن السورية بدءاً من حلب ثم حماه والى حمص ودمشق اللتان تهاوتا
معاً. ساعة الصفر في حلب هل كانت صدفة انها كانت بالتوقيت عينه لإعلان نتنياهو قبوله باتفاق وقف إطلاق النار على ساحة لبنان؟ ام هو توقيت مدروس، قرره العدو الإسرائيلي وقوى حلف الأطلسي؟
يبقى ان من قام بالعملية “الانقلابية” مسمياته عديدة، عام 2012 كان اسمهم تنظيم القاعدة في بلاد الشام، وعام 2013 كانت “داعش” دولة الإسلام في العراق والشام اما اليوم فهم أنفسهم من أطلقوا على حالهم، اسم هيئة تحرير الشام التي يرأسها محمد الجولاني المطلوب بالاسم من الاستخبارات الأميركية وبفدية وصلت الى 10 مليون $ لمن يعرف عنه شيئاً!!!!وايضا هم اليوم باسم المعارضة المسلحة.
لقد تبدل الشكل وكذلك الاسم، بينما يبقى السؤال عن الجوهر إذا كان قد تبدل، لاسيما وان في العناصر من هم من القوقاز والاوزبك والشيشان والايغور والطاجيك وايضاً مواطنين سوريين.
هلل السوريون للأمر. وكأن زلزالاً قد حصل، وبنظرهم ان هذا النظام الذي عمر أكثر من نصف قرن دون أي تداول بالسلطة، بل ان الآب اورث الأبن، وهي احدى أبرز الإشكاليات التي اساءت الى النظام وايضاً الى أنظمة مشابهة ما تزال قائمة في المنطقة.
ايضاً، انه حكم الحزب الواحد الملتحف بغطاء الأمن وحمايته وهذه أصعب الاشكال للأنظمة، التي تحتمي بحضور طاغ للاستخبارات وممارساتها وللسجون وظلامها، والذي يستغل اليوم ايما استغلال من قبل البعض، نتيجة الممارسات التي ارتكبت، ولا يبدو ان النظام استطاع تحرير نفسه من كل هؤلاء طيلة السنوات الماضية، لا بقرارات العفو التي أصدرها ولا بالاخلاءات التي تمت وكان يجب ان تفرغ هذه السجون في فترة ما بعد اندلاع ما سمي “بثورة سوريا” او “الربيع العربي على سوريا”.
الأمر الأخر الذي دفع السوريين الى التهليل لانهيار النظام كان بسبب منع العمل في الكيان الشامي، بأية تعددية حزبية، بل ان الأمر كان محصوراً بالحزب الحاكم وعدد من الشخصيات الحزبية المدعومة امنيا من هذا النظام، ومن خلال هذا الدعم كان يسمح لبعض الحزبيين الملتحقين بهذه الشخصيات بالوصول الى سدة البرلمان او المجالس البلدية في المناطق.
علماً ان تداعيات كثيرة حصلت بعد ما دعي بالثورة السورية، ودفعت بالنظام الى ابتكار أحزاب شبابية جديدة، ولكنها كانت مهللة للنظام، دون ان تحظى باستقطاب شعبي يعوض عن أحزاب عريقة في سوريا ولها حضورها، وكان يجب ان يفسح لها مجال العمل نظراً لما قدمته من تضحيات عن الشعب السوري فيما كان يواجه الإرهاب الدموي ان في فصائل الدفاع الوطني او مع الجيش السوري. ويومها كان التصدي الكبير من الشعب يوم اعلان ما سمي بثورة الربيع الربي والتي رفعت الشعارات الطائفية آنذاك “العلوي بالتابوت والنصراني على بيروت “
لم يشعر ابن سوريا الصامد ان هناك حرية سياسية تسمح له بحصد اتعابه وجراحه، ومواجهة مزاعم الثوار وقد كانوا مدعومين من قوى الخارج فيما يحق لأبناء البلد الصامدين على معاناة بلادهم ان يكونوا حاضرين في أي تغيير داخل السلطة، كان يجب ان يحصل. لا بل انهم عانوا من فساد النظام قبل الحرب وبعدها.
ويمكن القول ان صمود الشعب السوري في مواجهة ما حيك ضده وضد بلاده، كان يستحق تداولاً في السلطة، يعيد الثقة ويواجه ما بقي محتلاً من أراض سورية من التركي والأميركي ومن تنظيمات مدعومة، تقوم بمهام التقسيم وفدرلة سوريا وتهيمن على مواردها من قمح وزيتون ونفط وغاز وترفد التركي بدعم اقتصادي يريحه ويرهق دمشق، وهي المحاصرة باحتلالات لمواقع ثرواتها التي كان مخزونها يستطيع اشباع أبناء سوريا لسنوات عجاف طويلة.
واضيف الى ذلك “قانون قيصر” الذي صاغته الولايات المتحدة الأميركية كعقاب وحصار جماعي للبلاد، ليتمكن من تجويع الشعب وبالتالي اسقاط النظام، حتى بالرغيف.
سقطت سوريا ام أسقط النظام فقط؟ سؤال يطرح وخاصة، انه وخلال ساعات التهليل لإسقاط الرئيس الأسد كان، الجولان السوري، قد أصبح مباحاً امام التوغل الإسرائيلي، وكانت القنيطرة المدينة التي اعادتها الى دمشق حرب عام 73، قد أصبحت هي وجبل حرمون تحت اقدام جيش العدو دون ان يهتز جفن أحد في دمشق فيما كانت الطائرات الإسرائيلية تعصف معامل الأبحاث العسكرية السورية وهي من اهم معامل البحث العلمي في المنطقة ،أيضا مرابض بطاريات الدفاع عن دمشق واكثر من مئة موقع عسكري وحكومي وامني ،كما وقف نتنياهو مزهواً على حدود دمشق يعلن ان حرب غزة وحربه في جنوب لبنان سمحت له ان يقوم بإنجازاته العسكرية هذه.
أخشى ان اشبه ذلك بقول ذلك الجنرال الفرنسي عندما وصل الى ضريح صلاح الدين، في دمشق “ها قد عدنا “المفارقات كثيرة في هذا المجال، ولكن منعا لجدل يطول بين اخذ ورد فالمطلوب اليوم ان يتم تدارك امر “زلزال سوريا”، بتلاقي أبناء البلد الواحد تلاقياً يحفظها من شرور ما يرسم لها من التقسيم الزاحف الى المنطقة لإنشاء دويلات طائفية وايضاً مذهبية، يكون للعدو الإسرائيلي قدرة الهيمنة عليها واستغلالها في الشرق الأوسط الجديد الذي يرسم على موائد الدول العظمى.
ان الفكر الوحدوي الذي يمكن له جمع كل التشكيلات الدينية والاثنية لأبناء بلدنا وان يوحد البلاد في مشروع منبثق من الامة نفسها، هو فكر أنطون سعادة القومي الذي يستطيع جمع كل أبنائها حول مشروع توحيدي يواجه بقوة خطط التقسيم والتطبيع المعدة والتي ستكون خاتمة الصراع مع العدو الوجودي اليهودي في منطقتنا فيما لو نجح. وأيضا في إطار من القيم أساسها الحرية التي يعتبر سعادة ان “الحياة بدون حرية تصبح عدما.”
رئيسة التحرير