بعد توقف إطلاق النار بين المقاومة والكيان الغاصب في لبنان، برز جدال بين مؤيدي حزب الله ومعارضيه حول ما إذا كان حزب الله قد انتصر أو انهزم، وكل فريق يقدم أمثلته لإقناع مؤيديه وضحد أقوال الفريق الآخر.
لا شك أن هذا الجدال سبق وجرى بعد حرب العام 2006 ارتكز الفريق المعارض أنذاك على تدمير البنى التحتية للدولة اللبنانية الناتج عن القصف الاسرائيلي لهذه البنى، وعدد الضحايا الذين سقطوا أنذاك، وبنفس السردية يقوم المعارضون للحزب بعد توقف اطلاق النار برفض حديث مؤيدي الحزب عن انتصارهم.
وبغض النظر عن التفاصيل التي يرويها الطرفان، وبعيداً عن التأويلات السياسية والعسكرية والاستراتيجية والجيوسياسية، ومن منطلق اجتماعي بحت، ولتفسير مفهوم الانقسامات بالرأي داخل المجتمع اللبناني، يتبين لنا أن انهيار منظومة القيم الاجتماعية في المجتمع اللبناني هي السبب الاساسي لهذا التباين في الآراء.
هذا الأمر ناتج بفعل فاعل، وهذا الفاعل كان أولاً من أقام الكيان اللبناني على قاعدة الطوائف ليصبح الخلاف الطائفي هو العنوان لأي اختلاف بالرأي، وكان ثانيا تغذية الخلافات بين الطوائف عبر الاعلام المرتبط دائما بمراكز صنع القرار.
وبالعودة إلى ما ذكرناه سابقاً عن انهيار منظومة القيم الاجتماعية، ولإلقاء نظرة سريعة على ما تعنيه لا بد لنا من أن نعرج على مفهوم القيم الاجتماعية وبعض الامثلة من هذه القيم لتأكيد سبب الانقسام في الرأي بمسألة الانتصار أو الهزيمة.
مفهوم القيم الاجتماعية
تعدّ القيم من أهم الركائز التي تُبنى عليها المجتمعات، وتقام عليها الأمم، وتتعلق القيم بالأخلاق والمبادئ، وهي معايير عامّة وضابطة للسلوك البشري الصحيح، والقيم الاجتماعيّة هي الخصائص أو الصفات المحببة والمرغوب فيها لدى أفراد المجتمع، والتي تحددها ثقافته مثل التسامح والقوة، وللقيم الاجتماعيّة أمثلة وأنواع، ولها أسباب تؤدي إلى غيابها عن واقع الحياة.
هناك قيم كثيرة، والذي يحدد وجود هذه القيم هو الإطار التربوي العام في المجتمع، ومدى الوعي الذي وصل إليه النّاس في تعاملهم مع بعضهم، نذكر منها:
– الصدق، حيث يظهر الصدق كقيمة في التعامل اليومي في المجتمع، ابتداء من الأسرة، وانتهاء بالمجتمع.
– الإيثار، وهو قيمة متقدمة في السلوك، ويعبِّر عن تخلي الإنسان عما يحبه لصالح غيره.
– الكرم والسخاء.
– الحياء، وهو من الضوابط المهمة للسلوك البشري في المجتمع.
– البذل والتضحيّة، وذلك بجعل اهتمامات الفرد الخاصة لصالح المجتمع ككلّ.
– التعاون والتعاضد، ويعدّ التعاون من أهم مقوِّمات وركائز التواصل البشري، ولا غنى عنه لفرد من الأفراد أو مجتمع من المجتمعات.
– التكافل الاجتماعي، وفيه يكمل أبناء المجتمع بعضهم في شتى جوانب الحياة.
أما عن دور الإعلام اللبناني غير الرسمي – كمثال عن موضوع الصدق – فهو يعتمد لجلب مشاهديه أو مستمعيه على (Trends أو Rates أو Reach) وهذا ما يتغلب على الصدق أو الموضوعية – وكمثال آخر عن الحياء – فعندما يقدم هذا الإعلام المثلية الجنسية ويدافع عنها، أو عندما يقدم الخيانة الوطنية كوجهة نظر، أو عندما يتجاوز الدستور اللبناني بتحديد من هو عدو الوطن وعندما لا يقدم هذا الإعلام اللبناني مواضيع التعاون والتعاضد ، والتكافل الاجتماعي الذي برز واضحا باحتضان النازحين على شتى الأراضي اللبنانية، ومحاولة شيطنتهم في بعض المناطق متذرعاً بممارسات (قام بها أفراد)، وعندما يتجنب الحديث عن التضحيات والبطولات التي سطرها من كان يدافع عن أرض لبنانية، وعندما يسخّف مدى فعل الضربات المعاكسة وتأثيرها على الكيان الغاصب، وعندما ينفي أسطورة الصمود أمام اعتى الجيوش دموية وإجرام في العالم ، يصبح هذا الإعلام مساهماً أساسياً في انهيار قيم المجتمع اللبناني لأجل غايات مادية، ولأجل تنفيذ مخططات داعميه، بالتأثير المباشر على الرأي العام اللبناني.
كنتيجة لما سبق ذكره و فيما خص الجدل حول النصر أو الهزيمة، فبقدر نسبة الوعي الاجتماعي لدى افراد المجتمع اللبناني، بقدر ما سينظر هذا اللبناني إلى ما جرى على أنه نصر أو هزيمة لأن هذا العنوان مرتبط بالشعور والتفاعل الاجتماعي بين الانسان وأرضه وبيئته، فمن حافظ على قيمه المتوارثة وتمسك بها، ومن فقد هذه القيم نتيجة تأثره بالعولمة وتغليب الفردية في نظرته للأمور كافة، كل منهم سيرى ويفسر النصر أو الهزيمة من وجهة نظره : «فهو نصرٌ لمن يشعر أنه انتصر وهزيمةٌ لمن يشعر أنه هُز».