بنسق تراجعي يستكمل العدوّ مفاوضاته غير المباشرة مع لبنان عبر الوسيط الأميركي – اليهودي عموس هوكستين.
وبعد أكثر من شهرين تراجعت حدّة شروطه، وفجّرت حنكة المفاوض اللبناني الرئيس برّي ومن خلفه المقاومة عدداً من البنود المفخّخة، لتتكامل مع البطولات الميدانيّة للمقاومة، والتي منعت العدوّ عن التوغّل داخل الأراضي اللبنانيّة، سعياً خلف تحقيق أهداف الحرب.
أهداف الحرب، والتي لم يجاهر العدوّ سوى بواحد منها وهو عودة المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلّ، تراوحت بين الرغبة بالقضاء الكامل على المقاومة، وبين إقامة منطقة عازلة يمنع من خلالها عودة الأهالي إلى القرى الجنوبيّة تأميناً لأمن الجليل بحسب ما تقول دراسات سابقة أُعدّت في الداخل المحتلّ، وترى بأنّ الحلّ لبقاء مستوطنات الشمال هو عدم تواجد سكّان في القرى اللبنانيّة المحاذية لفلسطين. هذه السقوف العالية كسرتها إرادة الشبّان المقاومين في الجنوب، في نسور الزوبعة وحزب الله وحركة أمل وكلّ من يقدّم الدماء في سبيل الأرض.
وصل العدّو بعد أكثر من شهرين ليوافق على مشهد الـ 1701 محاولاً إضافة عدد من البنود عليه ليتمكّن من بيعها لجمهوره، ويبني على أساسها سرديّة «اللا هزيمة. »
يمكن القول ان عودة الأمور في الجنوب لما كانت عليه قبل السابع من تشرين 2023 تعني ببساطة أنّ أهداف العدوان لم تتحقّق، وأنّ من لا يحقّق الأهداف يعني أنّه هُزِم، ومن يمنعه من تحقيقها يكون قد انتصر. هذه الحقيقة هي من تؤخّر حتّى اللحظة توقيع الاتفاق، ظناً من العدوّ أنّ هناك فرصة لتحقيق شيء إضافي إن استمرّ القتال.
وبالفعل، بعد مغادرة هوكستين المنطقة، مُنيَ العدوّ بخسائر جمّة في شمع، وتراجع في الخيام، وانسحب من دير ميماس، وبالتالي ارتفعت الأصوات في الداخل ضغطاً على نتنياهو للحدّ من الخسائر. غامر بضرب بيروت فاهتزت تلّ أبيب ثلاث مرّات، لتثبّت المقاومة معادلة جديدة وهي “ضربة في بيروت مقابل ضربات في تل أبيب” لتزيد من إحراج نتنياهو وتعمّق من مأزقه.
سيخرج البعض في لبنان بعد وقف العدوان ليقول إنّ الدمار وأعداد الشهداء لا تشي بانتصار. حسناً، ومتى كانت الحروب تُخاض دون ثمن؟ وهل من مقاومة في العالم انتصرت دون شهداء؟ وهل من عدوان في العالم حيّد المباني المدنية احتراماً لأخلاقيّات الحروب؟
يريد هؤلاء تصويرنا دائماً على أنّ خيارنا خيار غير إنساني لا يأخذ بأعداد الشهداء وأرزاق المدنيّين، في وقت لا يذهب أيّ منهم للبحث عن خطّة باء تعيد للناس أرزاقهم، فيما تقاتل المقاومة على الجبهة في الجنوب وتقوم أجهزتها في الداخل بمجهود إحصائي للتعويض على من خسر بيتاً أو محلاً أو سيّارة، في وقت شهدنا رفض بعض الناس التصريح عن خسائرهم مجيبين بموقف واحد: «فدا المقاومة»”