ـ أمسى عددٌ من الإعلاميين والمحللين في لبنان يتنافسونَ مع عددٍ من السياسيين وحتى المواطنين المستزلمينَ للخارج بسبب تطرُّفهم الطائفي أو العنصري على عملية تزكية نار الفتنة، من خلال اعتمادِ مفرداتٍ لا تحملُ في طيَّاتِها غيرَ الحقد والعنصرية والنميمة، التي تضعِفُ الشعورَ القومي وتزرعُ الشكّ في نفسِ القريبِ والبعيد.
وقد ثبُتَ مراتٍ ومرات تقاضي معظم هؤلاء أموالاً من سفارات وجهات غريبة. ولكن لعدم وجود دولة أو قوانين لدينا لمُحاسبتهم، يشجَّع المجاهرة بالطروح المعادية للمصلحة الوطنية والمعاكِسة للوفاق في المجتمع.
والأدهى أنَّ وسائل الإعلام على اختلافها، تبثُّ دون تحفّظ تقاريرَهم وحواراتِهم، لنسمعَ كلاماً باطلاً بحجة إبداء الرأي.
لكن بالرغمِ من كل تلك الجهود المضنية، تقفُ الغالبيةُ الساحقة من الشعب موقفاً وطنياً جامعاً وواعياً لمؤامرات العدو وحلفائهِ، بعد الذي عاناهُ الناسُ من نتائج تلك المؤامرات على مدى العقود الأخيرة، ما أجهضَ كل تلك المحاولات.
ـ صرَّح رئيس وزراء العدو أنَّ عملية اغتيال السيد حسن نصرالله وتفجير أجهزة الباجر تمت بالرغم من معارضة كبار المسؤولين الأمنيين. وهذا له قصد واضح وهو عدم تعريض أياً منهم لأية مُساءلة أو محاسبة مُحتملَة في المستقبل، مع أنَّهم المنفذون الفعليون.
وحتى يوحي بالتالي للإدارة الأميركية الجديدة وللعالم عن رِفعة أخلاق هؤلاء والتزامهم بالمعايير الإنسانية، فيما أثبتَت الوقائع خلوَّهم من أي شعورٍ إنساني أو أخلاقي، كما لم يعُد الرأي العام العالمي يصدِّق خداعَه الدائم والمكشوف.
ـ إنَّ استغراب المسؤولين عندنا عدم تحرُّك الجهات الرسمية والمؤسسات الحكومية في الغرب حيال الحاصل من جرائم ضدَّ الإنسانية في لبنان وفلسطين والمنطقة ، كما حصلَ من قبل ، قد ظهرَ أيضاً في أفعال تلك الدول والحكومات من خلال دعمِ إسرائيل وقمعِ المحتجين والمتظاهرين من مواطنيها والمقيمين فوق أراضيها ،وهذا أدَّى إلى نقمة شعبية عارمة وسط الشارع الغربي،
ما سوف ينعكِسُ على نتائج أية انتخابات بالدول الأوروبية تلك، على غرار ما حصل في الولايات المتحدة، التي أُسقِطَت فيها إدارةُ الحزب الديمقراطي مع فارقٍ ملفت وغير مسبوق في تعداد الأصوات الناخبة، بعد أن بالغت بدعمِها للجرائم والمجازر، مع ما رافقها من أكاذيب وبيع أوهام حيال وقف الحرب وإدخال المساعدات وتجنُّب وقوع ضحايا من المدنيين.
ولا تزالُ بعد رسوبِها تتخبَّط في لعبِ أدوار الحلول الديبلوماسية ذات الطابَع المسرحي، فيما لن نَحْكُم الآن على مدى نجاح أو فشل الأداء الجديد لإدارة الرئيس المنتخب، قبل أن يتبيَّن ذلك، إنما يُحكَم على أدائه السابق.
وقد لاحت بوادرُ التغيير الأوروبي في فرنسا، حيث استطاع حتى الآن الرئيس الفرنسي تحريف نتائج الانتخابات لصالح تحالف حزبه من خلال التعيينات الوزارية، والتي لن يستطيع لا هو ولا سواه تحريفها مجدداً في ظلِّ المزاج العام الذي سيولِّدُ وكما يبدو بيئةً سياسية ذات توجُّه جديد في القارة العجوز.
القيادة دون قائد
يتعجَّبُ كُثر كيف يمكن إدارة المعارك العسكرية دون قيادات بارزة ودون قائد أعلى، ومردُّ ذاك التعجُّب هو اعتيادنا على شخصنة كلّ مشروع وكل إدارة على الطريقة التقليدية، دون بلوغِنا طورَ الفكر المؤسساتي الذي يقومُ عليه عالمُنا المعاصر.
فلقد أرست المقاومة في لبنان ومنذ سنوات، وسائلَ متطوِّرة تسمحُ بذلك من خلال تخطيط مُسبق يُدعى في العلوم العسكرية لدى بعض الجيوش بالمشاريع. ويتمُّ من خلال دراسة طبيعة الجغرافيا والأرض التي ستدورُ فوقها المواجهات من كلّ حدبٍ وصوب، ما يسمحُ باستخدامِ الأنفاق المُجهزة في دعمِ تلك المواجهة.
ويتمُّ في الوقت نفسِه اختيار الأسلحة الملائمة مع توزيعها على عدد المقاتلين المُدرَّبين كلٌّ على سلاحِه، والمنتشرين ضمن مجموعاتٍ صغيرة، يتناسبُ تعدادها وانتشارها مع مساحة الأرض المُراد الدفاع عنها بكلّ تضاريسها وتنوُّعِها. وقد تلقَّت المجموعات تعليمات عن كيفية التحاقها بمواقعها وتدرَّبت على ذلك.
وبالطبع تُدرس في الأخير سُبُل إمدادهم بالذخائر والمؤن كما إجلائهم في حال الإصابة.
فقد دونتُ في العام 2012 مقالاً طويلاً اجتزئ منه فقرةً تقول:
فلم تعد المقاومة إذاً بحاجة ماسّة إلى قياديين بارزين لخوض معاركها أو إلى غرفة عمليات تتحكّم بمسار المعركة برمّتها، بل إلى القياديين الميدانيين للمجموعات، وإلى إشارة البدء، ما لن يعطّل فعاليتها في أيّ حالٍ من الأحوال.
وكي أساهمَ ولو قليلاً في طمأنة الناس إلى مصيرهم بالرغمِ من التضحيات التي لا بدَّ منها خلال الحروب، أضيفُ عبارتين أُنزلتا من الأعلى على أغنية ونشيد،
إذا جاء في الأولى: بكرا بيخلص هالكابوس وبدل الشمس بتضوي شموس (والمقصود ليست الشمس العادية بل شمس الحق التي وردت في عدة أغاني) وإحداها عبرية، إذ دوَّنتُ في ذاك العام:
قلَّما سمعنا بغيبوبة دامت سنوات ثمانية قبل مصارعة الموت كما حصل لأرييل شارون، وكأنّه عقابٌ إلهي يُستخرجُ منه عبرة لمن اعتبر.
فلقد جاء في أغنية قيل عنها عبرية وأُنشدت له منذ سنوات عدّة مستشرفة الواقعة: سفّاح مش مجنون، يا ويلك بكرا يا ويلك بكرا الشمس بتكسر عينك وين ما بتكون. فهل هي شمس الحق؟!
وجوهرُ ما في هذا المقطع هو: على أرضِ الوطنِ المحروس.
وجاء أخيراً في النشيد الثاني تأكيدٌ يقول: بالدمِّ محصَّنة أرضك يا لبنان.
ولكن حتى تُقال الحقيقة كاملةً على ضوء الواقع، لا يمكن إنكار حدوث أخطاء جِسام، قلبت بعض المعادلات رأساً على عقِب بين ما جُهِّز من إمكانيات وبين ما ألحِقَ من خسائر ودار من مفاجآت، نتيجة سوء التقدير والاعتماد على بعض القادة، وتفوُّق التقنيات الأميركية والغربية المُعطاة للعدو.