الأمة والوطن عند سعاده

اعتبر أنطون سعاده أنّه لا يمكن اعتبار الأعراق والسلالات والدين واللغة من محددات الأمة.

     الأمة ليست وحدة فيزيائية دموية، وهناك فرق كبير بين الأمة والأعراق والسلالات، فالأمة تتكون بمرور الزمن من خلال فكر وشعور وإرادة العقول البشرية، بينما الأعراق والسلالات وُجدت قبل التاريخ، كذلك استبعد سعاده اللغة من كونها محدد للأمة مع أنها ضرورية لاستكمال الوحدة الروحية للأمة، وهي ليست سبباً من الاجتماع، بل وسيلة من وسائل قيامه، وبالتالي لا يمكن لجميع الذين يتكلمون لغة واحدة أن يكوّنوا أمة واحدة.

    كون الدين ذات طابع عالمي، فهو منافٍ للقومية، وبالتالي لا يمكن اعتباره من محددات الأمة، وهو لم يخرج على مقتضيات أنواع الحياة البشريّة، وعندما تتضارب مصلحة الأمة مع مصلحة الدين، تكون مصلحة المجتمع هي الفاصل في النّزاع، فالدين واحد والأمم متعددة، وتسعى كل أمة للحفاظ على الإستقلال الروحي الخاص بها، ولا تخضع بموجب السلطة الدينية لأمة أخرى، والدين لا يسعى لقيام أمة، بل يحاول أن يعلل مظاهر الكون، ويقدّر نهايته، ومصير النفس البشرية، في المقابل استطاعت الأمم أن تعدّل الدين ليتوافق مع نزعاتها القومية، واعتبر سعاده أنّ شرط كون الدين عنصراً قومياً لا يتضارب مع وحدة الأمة ونشوء روحها القوميّة، فإذا فقد هذا الشّرط زالت عنه صبغته القومية وعادت له طبيعته العامة.

    نستخلص أنه لا يمكن اعتبار الأعراق والسلالات والدين واللغة والعادات والتقاليد والوحدة السياسية، من محددات الأمة، ولكنها تلعب دوراً أساسياً في توحيد الأمة.

    الأمة لدى سعاده هي أتم متحد، والذي هو عبارة عن جماعة من البشر، تتشابه في عدد من المصالح، وتتميز بالاشتراك في حياة واحدة ضمن بقعة جغرافية معينة، بهذا تكون القرية متحداً، والمدينة متحداً، والقطر الذي هو متحد الأمة، وهنا تكمن أهمية العامل الجغرافي، لأن الأرض شرط أساسي للحياة، وهي تكيّف الإنسان وهو يكيّفها، فتولد هذه العلاقة المتبادلة التي تؤدي إلى تفوق الإنسان على باقي الكائنات.

    للجماعة خاصية تميزها، فالطبيعة والجغرافية هما الطبقة الداخلية في حياة الإنسان، وهما تميزان الجماعة، وهنا يؤكد سعاده أن الأمة تجد أساسها في وحدة أرضية معينة تتفاعل معها جماعة من الناس وتشتبك وتتحد ضمنها، وعندما تتكوّن الأمة، ويصبح لديها شخصيتها المكتسبة، وحياتها الاجتماعية الخاصة، تصبح قادرة على تحديد حدودها الطبيعية.

    إنّ شرط قيام مجتمع طبيعي هو خضوعه للاتحاد في الحياة والوجدان الاجتماعي، وتكون فيه دورة اجتماعية اقتصادية واحدة، تؤدي إلى الشعور بوحدة الحياة ووحدة المصير، فتتكون من هذا الشعور الشخصية الاجتماعية بمصالحها وإرادتها وحقوقها.

    والوطن بحسب سعاده هو البيئة الطبيعية التي تنشأ فيها الأمة، ويكون له حدود جغرافية، وهو عنصر أساسي في القومية، وسورية هي الوطن والأمة، وهي المجتمع جسماً ومكاناً، وعنصر أساسي في القومية السورية، والوطن الممتاز بإمكانياته وموارده وإقليمه، الذي مكّن الأمة السورية الممتازة بتركيبها السلالي وزخم حياة زاخرة بالقوة من تحقيق منشآتها الثقافية والعمرانية البديعة، التي أطلقت تيار ثقافتها وتمدنها من هذه الأرض القدسية، فأضاء أرجاء العالم ودفع المجاميع الإنسانية المؤهلة للثقافة والتمدن في مجراه السحري.

    إنّ سر بقاء سورية وحدة خاصة وأمة ممتازة، مع كل ما مر عليها من غزوات من الجنوب والشمال والشرق والغرب، هو في هذه الوحدة الجغرافية البديعة، هذا الوطن الممتاز لهذه الأمة الممتازة، ومن هنا ندرك أهمية الوطن في تقرير حقيقة الأمة وشخصية المجتمع، فالأمة بدون وطن معين لا معنى لها، ولا تقوم شخصيتها بدونه.

    لا يمكن أن تتم وحدة الحياة إلّا من خلال الترابط بين الأمة والوطن، ولا يمكن تصور متحد إنساني اجتماعي من غير بيئة تتم فيها وحدة الحياة، فلا يمكن الفصل بين الأمة والوطن لأن كل فكرة قومية لا ترتكز على وطن يُخرج الأمة عن وضع واقعها الاجتماعي، والاسم الذي تكتسبة الأمة عادة يكون من الأرض، والسوريون دُعيوا بهذا الإسم لأنهم يسكنون سورية التي هي أرضهم، من هذه الحقيقة تظهر لنا أهمية الوطن في تقرير شخصية المجتمع وحقيقة الأمة، ومدى ترابط الأمة والوطن.

محمد جميل عليان