مفهوم السيادة الملتبس في لبنان

يلاحظ المراقبون لوسائل الإعلام  ولمنصات التواصل عودة نغمة السيادة والسياديين ممن كان يطلق عليه   تسمية الرابع عشر من آذار باستثناء المكون السني (مجتمعاً) وباستثناء كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي النيابية.

هذه النغمة انطلقت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في العام 2005 تحت شعار (حرية – سيادة – استقلال)، وانطفأت بعد التسويات الوقتية التي جرت خلال السنوات السابقة، وعادت لتنطلق من جديد ومن نفس الفريق بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان.

عندما نقول عدوان إسرائيلي على لبنان، فذلك بسبب استمرار اعتبار الكيان الغاصب عدوا للبنان (وفقا للدستور اللبناني وللقوانين اللبنانية التي تجرّم التعاون والتعامل معه)، وما جرى على شاطئ البترون من اجتياح بحري أو إنزال من قبل العدو وخطف مواطن لبناني واقتياده خارج الأراضي اللبنانية، يعدّ انتهاكا للسيادة اللبنانية على أراضيها ويتوجب ( على الأقل ) من دعاة السيادة اللبنانية إصدار بيان استنكار، الأمر الذي لم يحصل ( ولن يحصل )؟

أما تحليق الطائرات المسيرة طيلة ساعات اليوم الواحد للرصد، والطيران الحربي الإسرائيلي فوق الأراضي اللبنانية وقصف وقتل المدنيين وتدمير مساكنهم واستخدام المجال الجوي اللبناني في قصف دول شقيقة، والتوغل البري واستهداف الجيش اللبناني في بعض مواقعه واستشهاد ضباط وجنود للجيش اللبناني فلا يعد انتهاكا للسيادة اللبنانية على أراضيه ولا يتطلب الأمر استنكارا بحجة أن من جلب هذا العدوان هو الذي يجب أن يتحمل هذا الوزر.

وعندما طالب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم الجيش بإصدار بيان توضيحي لتحديد على من تقع المسؤولية في موضوع خرق السيادة اللبنانية، أن كانت هذه المسؤولية تقع على قوات اليونيفيل التي لم تحذر الجيش من إنزال بحري على البترون (والتي يوجه فيها أصابع الاتهام تحديدا إلى القوات الألمانية) للإضاءة على حجم تأييد هذه الدول للعدوان، قامت قيامة (السياديين) بأن الجيش خط أحمر ولا يجب المساس به.

عندما تحدث وزير الخارجية الإيراني عن لبنان، قام رئيس الوزراء اللبناني بالطلب من وزارة الخارجية استدعاء السفير الإيراني وإبلاغه احتجاج لبنان على هذا الحديث. هكذا تكون العلاقات بين الدول، وفي المقابل عندما تطلب السفيرة الأميركية في لبنان من (السياديين) التمديد لقائد الجيش فينبري فريق نيابي (كتلة القوات اللبنانية والكتائب) لتقديم مشروع قانون لدى المجلس النيابي للتمديد لقائد الجيش، لا يعد هذا كخرق للسيادة اللبنانية كما يروجون.

هل السفيرة الأميركية تدرك مصلحة لبنان أكثر من إدراك السياديين لمصلحة لبنان؟؟ أم أن هؤلاء السياديين لا يدركون أن المصلحة اللبنانية تقتضي التقدم بمشروع قانون للتمديد لقائد الجيش قبل أن تطلب منهم السفيرة الأميركية هذا الأمر لحفظ ماء وجههم أقله أمام الشعب اللبناني؟

ويفاجئك أمين عام حزب الكتائب اللبنانية وفي حوار بينه وبين أحد الإعلاميين على إحدى وسائل الإعلام فكان رده على انتهاك سيادة لبنان جوا وقصف دولة شقيقة من فوق (بكفيا): شو دخلني؟؟

هذا الأمين العام نسي انه على الأرض اللبنانية، وأن لهذه الأرض سيادة، وأن مفهوم السيادة لا يتجزأ بحسب الأهواء، وأن ابن مؤسس حزبه انتخب سابقا كرئيس للجمهورية اللبنانية، وأن السيادة يجب أن يعبر عنها سياسيا اقله كما ذكرنا سابقا باستنكار لانتهاك السيادة الجوية.

هذه المراهقة السياسية قطعا لن تخلق السيادة المنادى بها من قبل هؤلاء السياديين.

وبغض النظر عن التطرق أيضاً لموضوع منع تسليح الجيش اللبناني من قبل دول العالم اجمع حفاظا على الأمن القومي الإسرائيلي والذي يعتبر أيضاً من عوامل انتقاص السيادة، والاكتفاء الدائم بتوفير بعض قطع الغيار للأليات العسكرية والأسلحة الفردية والخفيفة، فلم نجد طوال السنوات التي نادى بها هؤلاء السياديين بالسيادة من وضع نقاطا على الحروف لاستنكار رفض تسليح الجيش كما تتسلح كل جيوش بلدان العالم.

ويبقى أخيراً مشهد جنود العدو وهم يقومون بحرق العلم اللبناني … كل هذا ولم يرّ السياديون كيف تنتهك سيادة لبنان. فقط يرون حزبا سلّح محازبيه بالاعتماد على محور معاكس باتجاهه لمحور الناتو، للدفاع عن حدود لبنان في وجه دولة استيطانية، توسعية، قتلت على مدى عشرات السنين أقاربهم، وآبائهم بحجج مثل مكافحة الإرهاب واستولت على أراضيهم ولم ترضخ للمقررات الدولية منذ القرار 425 الصادر عن مجلس الامن في العام 1978؟

ما سبق ذكره يؤكد وبطريقة قاطعة لأي شك بانحياز كل الكتل النيابية في لبنان  إلى صراع المحاور، ويبقى مفهوم السيادة اللبنانية ملتبسا في أذهان الشعب اللبناني، الأمر الذي لا بد من التوقف عنده لإعادة توضيح أن الخلافات السياسية بين مكونات المجتمع اللبناني لا يجب أن تستغل لتنفيذ المشروع القديم – الجديد، وهو موضوع التجزئة الاجتماعية  بين مكونات المجتمع اللبناني -( خاصة بعد الاحتضان الشعبي الواسع لأهالينا التاركين منازلهم قسرا ) – درءا لحرب أهلية جديدة  ودرءا لمشروع تقسيم جديد على أساس الفيدرالية والكونفدرالية (مع عدم نسيان الجملة الشهيرة : إنهم لا يشبهوننا، والتي تضرب في الصميم مقدمة الدستور اللبناني التي تنص على : لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحدا أرضاً وشعبا ومؤسسات، في حدوده المنصوص عنها في الدستور؟)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *