تخوض الأمة صراع مرير عنوانه العريض فلسطين ومحاولة إقامة دولة يهودية على أراضيها والانتقال لاحقاً لتنفيذ الحلم أو الوعد التاريخي لهؤلاء. وقد حاولت الدول، التي تجمعت تحت مظلة الجامعة العربية في ثلاثة حروب أن تجهض المشروع وتعيد الحق إلى أصحابه، إلا أنها بدل التحرير تم احتلال مزيد من الأراضي ومن المعروف أن الهزائم المتلاحقة ولدت سجالا بين زعماء هذه الدول ما زالت قائمة لتاريخه رغم موت معظمهم في فترات متفاوتة.
اليوم نحن نتعامل مع الجيل الثالث من الزعماء كما نتعامل مع الجيل الثالث من المقاومات. بالنسبة للمشروع الرئيس. ولم يتغير شيئاً إذ لم يزل الحلم قائماً بتوسيع رقعة الاحتلال من الفرات إلى النيل وعملية التدمير الممنهج لدول الطوق ودول الإسناد، حتى تلك البعيدة منها، جارية، على قدم وساق وهي مرشحة في المستقبل لتطال دول كبرى تتنطح لتأخذ مكانتها كما كان حالها في مجلس الأمن الدولي وحرب أوكرانيا لأكبر دليل.
كنا نعتقد ان العرب لا يقرؤون، والمفاجأة أن العالم الذي يريد التصدي لظاهرة الهيمنة وكسر الاحتكار الدولي، هو أيضاً لا يقرأ. لكن مهلاً، أيعقل أن تكون دول كبرى بهذه الجهالة أم ان هناك أمراً ما يجب معالجته بين المتصدين لظاهرة الهيمنة الدولية.
في الشهر المنصرم وفي مدينة قازان الروسية عقد اللقاء السادس عشر لمنظومة «البريكس»، رغم الحضور النوعي ومسودة المشروع الختامي، بقي المشهد ضبابياً وادخله البعض ضمن فلكلوريات القمم التي تنعقد بين الفينة والفينة ويكون الغرب مستبعداً عنها حتى أن بعضهم قارنه بقمم العرب وجمهوريات الموز. أن من يريد كسر الاحتكار وإزالة الهيمنة عليه أن يوصف الحالة بحقيقتها وعدم البقاء في دائرة القشور. فالعالم بغنى عن كسر القائم لإقامة حالة جديدة غير واضحة وجلية لان الأمر سيعني استبدال المهيمن لا أكثر ولا اقل.
الشجاعة الذي على الصين وروسيا التحلي بها أنما تكون بالتوصيف الصحيح لمن يقف خلف حالة الاحتكار والهيمنة وهي بالطبع ليست الولايات المتحدة الأميركية أو المنظومة الغربية كما يروج، فهؤلاء ثبت أنهم أدوات في اللعبة لا تستفيد شعوبهم مما يجري، بل من يستفيد هم مجموعة من الأفراد أكانوا مستثمرين كبار او في دوائر سياسية أكاديمية أو عسكرية. ومن يريد التأكد عليه البحث الجدي في نوعية الزعماء الغربيين الذين يتصدرون المشهد والذين أنظمت إليهم مؤخرا ألمانيا لجهة تفاهة معظمهم، والأمر يسري على العرب المنخرطين في النادي الغربي ما عليكم إلا مقارنة الحسن الثاني والحسين بن عبد الله بمن ورثوهم ناهيكم عن باقي الدمى.
إزاء هذا المشهد وبغياب التعريف الصحيح وتعيين الجهة المهيمنة، لن نصل إلى أي نتيجة تذكر، حتى مع شراسة التصدي التي تشهده بلادنا ان بغزة أو بجنوب لبنان او لتلك التي تحاول المساندة في اليمن والعراق والسبب بذلك هو انعدام الثقة بين المتصدين لجهة المشاريع التي يحملونها فإقامة الخلافة وولاية الفقيه وعودة أصحاب النجوم البراقة عبر الإيديولوجيات الواهية جميعها لا تصلح لكسر الاحتكار والهيمنة، لأنها هي كذلك بذاتها.
هنالك تجربة لا بأس بها تدعى الأمم المتحدة التي قامت بعد فشل هيئة الأمم، لا يجب خوض حرب عالمية لإصلاحها كما حدث مع الهيئة بعد هيمنة الغرب على مخرجاتها.
أن إصلاح الأمم المتحدة حتى بالشق الاقتصادي، المعني الأول بالنزاعات التي نشهدها واعتبار العملة غير المغطاة إنما تشبه الاتجار بالممنوعات وغسل الأموال والى ما شابه، وان سيادة الدولة لا يعطيها الحق بالتطاول على سيادة الدول الأخرى، وان الدول المتجاورة يمكنها إقامة أي شكل من أشكال التعاون والتنسيق فيما بينها لضمان رخاء شعوبها وأمنهم وذلك لا يعتبر ذلك تهديداً لدول الإقليم او خارجه.
السلم والأمن الدوليين لطالما كانا شغل العالم الشاغل والمهمة الحضارية لبني البشر أنما كسر شريعة الغاب فلا يمكن الاكتفاء بالشجب والتنديد لقاتلي الأطفال والعجز والمتطاولين على حرية الشعوب لان مصالحهم تقضي بذلك.
منذر عبدالباقي