هل تحمل الانتخابات الأمريكية مفاجآت؟

مع نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تمثل القطب الغربي في نظام الثنائية القطبية المقابل للشرق الذي يمثله الاتحاد السوفيتي، واخذ العالم بما فيه عالمنا العربي يتابع باهتمام الانتخابات الأمريكية، ولكن في المعركة الانتخابية هذه، فان المتابعة تصبح أكثر و أكثر، والاهتمام بها يفوق الاهتمام بما سبقها خاصة وأنها تجري ونحن نعيش أجواء الحرب الأخطر والأطول خلال قرن ونيف من الصراع مع المشروع الغربي المعادي الذي تمثله دولة الاحتلال.

الناخب الأمريكي يرى ان قضاياه الداخلية مثل الهجرة والبطالة والإجهاض وحقوق المثليين والصحة والرعاية الاجتماعية وما إلى ذلك هي الأهم وهي المحرك الرئيسي الذي يحدد الناخب الأمريكي بموجبه خياراته في اتجاه المرشحين، أما الملفات الخارجية فهي ثانوية وغير مؤثرة مثل ملفات الحرب الروسية – الأوكرانية والحرب التي تجري في غزة ولبنان وغيرها، إلا أن لديها شيء من التأثير لدى النخب عالية الثقافة والأقليات، مع ذلك فهي قادرة على ان تلعب دورا ترجيحيا خاصة أن انتظمت الجماعات العرقية والقومية و الدينية فإنها تكون قادرة على ان تكون صاحبة الصوت الذهبي المرجح للمرشح الفائز فكلا المرشحين يملك حسب مراكز استطلاع الرأي ما يقارب 48% من الأصوات والتي يأتي معظمها بدوافع داخلية، هكذا تصبح الأربعة في المئة هي المرجحة.

عند صدور هذا المقال يكون الناخب الأمريكي في طريقه إلى صناديق الاقتراع بتوقيت واشنطن ومع ساعات المساء تكون نتيجة الانتخابات قد أعلنت في غالب الأمر بفوز أحد المرشحين، فماذا يعني هذا بالنسبة لنا وبما يتعلق بالحرب الدائرة في بلادنا، وكيف تعاطت الأطراف الخارجية مع هذه الانتخابات؟

المرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس تعطي الأولوية لقضايا الحرب الروسية – الأوكرانية وللمواجهة مع الصين والسيادة على تايوان والبحر المجاور، فيما تعاطفت أوكرانيا وقيادتها مع المرشحة الديمقراطية محاولة تحقيق اختراقات على الجبهة الروسية أمله بهذا أن تمثل دعما لفرص المرشحة الديمقراطية، أما المرشح الجمهوري وبغض النظر عن عنترياته إلا انه تمتع بدعم غير منظور من موسكو في الانتخابات التي أوصلته سابقا للبيت الأبيض ويرى ان دائرة اهتمامه الأولى هي في دعم صديقه وحلفيه نتنياهو ليبقى في السلطة وربما للوصول إلى حرب مع إيران فكلاهما يرى ان الأولوية هي لضرب إيران  ومشاريعها النووية الطموحة و التي يراها الثنائي نتنياهو- ترامب تمثل خطرا وجوديا على دولة الاحتلال وعلى المصالح الأمريكية العليا، و ان ضرب ايران مباشرة من شانه ان يفقد المقاومة الفلسطينية واللبنانية مقومات الصمود، لذلك كانت الضربات (الإسرائيلية) الأخيرة لإيران والتي هدفت إلى استدراجها للرد، لكن طهران صاحبة نظرية الصبر ألاستراتيجي رأت أن الرد على الضربات  (الإسرائيلية) الأخيرة يجب ان يكون مؤجل فهي بدورها تعمل لإنجاح خصم نتنياهو الأمر الذي قد يعيد إحياء الاتفاق النووي ويخفف من الحصار المفروض عليها ومن التوتر الذي يحيط بها.

بالعودة لسؤال البداية ما هي المفاجأّت التي قد تسوقها نتائج الانتخابات الأمريكية بالنسبة لنا؟

تبدو برامج ومسلكيات كلا المرشحين واضحة وبينه ففي حال فوز المرشحة الديمقراطية فان هذا يعني استمرار الوضع القائم اليوم والذاهب باتجاه الدعم اللامحدود (لإسرائيل) بالمال والسلاح والسياسة والقانون واطلاق يدها بالكامل في الملفات القومية واولها غزة والضفة الغربية ولبنان ولكن مع الوصول إلى إطلاق يدها في  كامل البيئة القومية والمحيط العربي، هذا في وقت أصبح الهدف (الإسرائيلي) المعلن لا حسب مصادر أوروبية فحسب وإنما بناء على ما يقوله (الإسرائيلي) وما يقوم به من أفعال، فهو ذاهب إلى ضم مناطق من الضفة الغربية وإخلاء شمال غزة وطرد مجاميع سكانية فلسطينية إلى الأردن وإيجاد منطقة عازلة في جنوب لبنان هدفها الظاهري ابعاد المقاومة اللبنانية وهدفها الحقيقي سرقة مياه نهر الليطاني وهنا فان الخلاف بين الإدارة الديمقراطية ورئيس الحكومة (الإسرائيلية) نتنياهو ليس خلافا بين الولايات المتحدة و(إسرائيل).

وانه في حال فوز ترامب فان الدعم الذي قدمته الإدارة الديمقراطية لحكومة الاحتلال سيبقى ثابتا وقد يتسارع ويزداد حدة مع إمكانية عالية لاتساع دائرة الاشتباك مع إيران التي قد تصل إلى حدود الحرب المفتوحة.

هكذا لن تحمل نتائج الانتخابات مفاجئات دراماتيكية فالحرب مستمرة وهذا يتطلب منا الاستعداد لسيناريوهات يجمع عليها المرشحان والتي تحتاج في مواجهتها إلى كثير من العمل والجهد والصمود وأدراك ان مسايرة السياسة الأمريكية والغربية ومن يمثلها لا يدرأ الاخطارالمحدقة بنا وإنما يفاقمها.