تسونامي التقسيم يهب من البترون

أين نضع «عملية البترون» البحرية الإرهابية في السياق العام لعملية «طوفان الأقصى» عموماً، وفي إطار حرب التدمير والإبادة التي تشنها الدولة اليهودية على لبنان أرضاً وشعباً على وجه التخصيص؟

لا يُشكّل نزول الوحدة البحرية الإسرائيلية على شاطئ البترون وخطف مواطن لبناني مدني مقيم هناك، إعتداءً على سيادة الدولة اللبنانية وخرقاً لكل القوانين الدولية فحسب، فهذا أمر محسوم ولا خلاف عليه. ذلك أن تاريخ الدولة الصهيونية حافل بأمثال عملية القرصنة هذه، والتي لا يمكن أن تحقق نجاحاً لولا دعم ومساعدة وتغطية قوى عالمية وإقليمية… بالتعاون طبعاً مع أطراف محلية ذات نفوذ واسع داخل البيئة السياسية والاجتماعية اللبنانية.

لا نريد أن ندخل في حقل ألغام التكهنات فيما يتعلق بشخصية المواطن المخطوف. فنحن نعتقد أنها مسألة جانبية إذا ما نظرنا إليها من ضمن الجولة الحالية للحروب الإرهابية الصهيونية، مستهدفةً منطقة الهلال الخصيب لصالح المشروع التوراتي اليهوهي: إسرائيل الكبرى!

ولكي نوضح للقارئ المشهد كما يتبدى أمامنا يوماً بعد يوم، نقترح أن نحدد العناصر المعنية بالإنزال الصهيوني، والمشاركة فيه:

أولاً ـ القوة العسكرية الصهيونية المكلفة بمهمة خطف المواطن اللبناني.

ثانياً ـ القطع الحربية البحرية التابعة لـ «اليونيفيل»، كونها مكلفة بقرار من مجلس الأمن الدولي بمسؤولية مراقبة الشاطئ اللبناني.

ثالثاً ـ الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية، بما فيها مؤسسة الجيش، التي يُفترض بها أن تملأ فراغ مناطق الجنوب اللبناني، وتنتشر بدلاً من مقاتلي «محور المقاومة» بعد نزع السلاح إلى الجنوب من نهر الليطاني؟

رابعاً ـ لا يمكن تصور حدوث مثل هذه العملية، وبالسهولة التي تمت بها كما صورتها عدسات المراقبة، من دون التنسيق مع جهة أو جهات لبنانية محلية. ولا شك في أن الأحزاب الانعزالية المتواجدة في المنطقة لها دور في العملية، خصوصاً وأنها تجاهر منذ مدة بوضع ترتيبات معينة بهدف فرض الأمن الذاتي في «مناطقها» لمواجهة جموع اللبنانيين النازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.

لا نعتقد بأن الوقت مناسب الآن للبحث في التفاصيل الكاملة للعملية الإرهابية في البترون، فهذه مسألة سيأتي تناولها في فرصة أخرى. لكن أخطر ما كشفت عنه طريقة التنفيذ يتعلق بمصير الكيان اللبناني المأزوم، ونقصد تحديداً العنصرين الأساسيين لنشوء وتماسك أي متحد اجتماعي في العالم: البشر والجغرافيا. والمرعب في هذا الشأن أن الدولة الصهيونية هي التي تتلاعب بهذين العنصرين، مباشرة بالتهجير السكاني المنهجي في لبنان وباقي الكيانات، وبخلق «أرض محروقة» قد تغيّر الواقع الجغرافي بصورة جذرية.

عملية البترون فتحت أمامنا خريطة جديدة، كنا نتوقعها وفي الوقت نفسه كنا «نتمنى» أن لا نراها. الكيان اللبناني منقسم إلى منطقتين: واحدة تستمر آلة الموت الصهيونية في تدميرها بلا هوادة. والأخرى مشرّعة الأبواب للمحور الإسرائيلي ـ الأميركي ـ الأطلسي ـ وبعض العرب. وهذه المنطقة مخطط لها أن تصبح قاعدة عسكرية للمحور الغربي. وإذا علمنا أن عدوى التقسيم تشبه أحجار الدومينو، فسندرك الدور المنوط بـ«لبنان الصغير».

هذا هو الواقع. دعوات التقسيم ترددت مراراً وتكراراً على ألسنة الساسة الانعزاليين منذ سنوات، بعضهم نادى بالتقسيم الكامل، وبعضهم الآخر خجل من التاريخ فرضي باللامركزية. لقد شهدتْ السنةُ الماضيةُ تفجّر تسونامي غيّر الكثير من المعادلات، ولذلك لا يمكن فصل عملية البترون عن رغائب ومخططات دعاة التقسيم.

 ترى هل تأخرنا؟

هل أخطأنا في عدم الاهتمام بمؤشرات الخطر التي كانت تُطلق مثل بالونات الاختبار؟

هل بات علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا؟

حتى اللحظة، ما زلنا نملك القدرة على توجيه دفة السفينة وقيادتها إلى برّ الأمان. لكن حذار من العواصف العاتية التي تُرعد بروقها في شرقي المتوسط!