ربما كان الوقت الانسب لنلعن به« وعد بلفور»، مصادفته اليوم حيث تخوض بلادنا تداعيات هذا الوعد وما انتجه وعد المستعمر البريطاني عام 1917، الذي اباح تشريد شعب بأكمله، ليستبد به شعب جلّب من أقاصي العالم ليستوطن ارضنا ورزقنا، وبتواطؤ رهيب ممن يزعمون أنفسهم رعاة هذا العالم وناظمي مؤسساته وقوانينه فكان وعد من لا يملك، لمن لا يستحق.
ما حصل في فلسطين، في يداية القرن العشرين، لم يحصل مثله في أي بقعة من العالم. حتى في دولة التمييز العنصري الأبرز، جنوب افريقيا، ففي بلادنا تحول اغتصاب الأرض والتاريخ، الى وعد بصنع دولة والغاء وطن عمره وجغرافيته من عمر التاريخ.
هذا الوطن المفتعل، رغم تسخير سردية دينية له، بقي مفتقدا لأبسط شروط ومقومات نشوء الدول في التاريخ، فكانت الدولة الوحيدة القائمة على وعد من مستعمر، والدولة الوحيدة في العالم بدون حدود معلنة حتى للمنظمات الأممية، مكتفية بما أعلنته على باب الكنيست في عاصمتها تل ابيب (يافا /
ام الربيع) حدودك يا إسرائيل من الفرات الى النيل، مما يظهر حجم المطامع لهذا العدو في منطقتنا.
دولة كيان العدو، نشأت بالافتراء ومستمرة بالجريمة «المنظمة» المحمية دولياً من عواصم القرار، وخاصة الأحادية القطب في العالم، الولايات المتحدة الأميركية متخطية كل ما يوصف بجرائم حرب، لا تنتهي بالتقادم حسبما يعرفها القانون الدولي.
من منظمات «شتيرن» والهاغانا الصهيونية الإرهابية، الى كل حروب هذه الدولة وجرائمها وصولاً الى اليوم، ليس هناك رادع لها، بل انها باتت نموذجاً للجريمة المنظمة، ويصمت عنها العالم مردوعاً بعناوين تبتكرها لنفسها، مثل «حرب الوجود»، و«حرب الدفاع عن النفس»، وتمارس هي في المقابل اقصى درجات الإرهاب.
واليوم امتنا في مرمى عدوان هذا العدو في فلسطين ولبنان، حيث تستغل دولة العدو عناوينها المزيفة، اسوأ استغلال ،ان في مزاعم الدفاع عن النفس ،بينما تشن علينا نحن اهل الأرض الصامدين المقاومين في غزة ولبنان ، حرب إبادة ،تبدو مدعومة بوضوح من قوى الأطلسي الذي يشرع أبواب برلماناته ومنابر المنظمات الأممية لإطلاق مزاعمه ، وإذ بمجرم الحرب المدان من المحاكم الجنائية الدولية يحاضر بمواجهة الإرهاب وبعصر جديد لمنطقتنا ،ممهدا بذلك لأطماع الامبريالية الصهيونية في منطقتنا.
هذا الدعم الأميركي المكشوف يسمح لنتنياهو بالاستمرار في معاركه الجرمية، من إبادة موصوفة وتدمير شامل وإزالة قرى عن الجغرافيا وتدمير بنى تحتية كاملة للمستشفيات والمدارس والجامعات وحتى الآثار المحمية من منظمة اليونيسكو العالمية لم تسلم من جنونه.
تراه يدمر مدينة صور وقلعتها وشاطئها الأثري الذي عصى على الاسكندر المقدوني نفسه، الى بعلبك المدينة الرومانية وهياكلها واسوار قلعتها غير عابىء بتوصيات احد ، كل ذلك والعالم يتفرج كما تفرج طيلة عام مضى على غزة تباد وتهدم .
دولة الوحشية والطغيان، يتجرأ مندوبها على تمزيق مواثيق الأمم المتحدة الدولية علناً من على منبر متجبرا بالطغيان والقتل العمد، واسكات الصوت والصورة، بقتل الصحفيين والمصورين، في غزة وفي لبنان، في سياسة مقصودة لكم الافواه وحجب الارتكابات منعا لتعاطف الراي العام مع شعبنا ولتجهيل المرتكب
أخر استباحات هذا العدو المتمادية لساحة لبنان وسمائه، هو الاختطاف والانزالات وقتل الناس في منازلها أو على الطرقات مرة بالغارات وأخرى بالمسيرات، وهاجسه هنا زعزعة الفتنة الداخلية بين أبناء النسيج الاجتماعي الواحد وهي بالتأكيد لن تفلح.
العالم بأجمعه لا يزال يغض النظر عن قتل الامنين في بيوتها بعد تدميرها وتحت انقاضها جثامين الأطفال والنساء والاباء مشهد يظهر حجم انهيار الإنسانية ودجلها وزيفها، وحجم صمت الضمائر الغارقة في كهوف مشاريع الأطلسي.
وليعلم العالم ان ارتكاباته ، ستكون لعنة على دولة الكيان الغاصب هذا وعلى داعميه، وسيكون هذا الكيان زائلاً حكماً كما زالت دولة اسبارطة العسكرية ،وما يزعمه نتنياهو عن شرق أوسط جديد سيصنعه، ما هو الا شرقنا الجديد الذي تصنعه المقاومة ومحورها الداعم ،وانتصاراتها التي بدأت تتجلى ستلزم العدو على التراجع، كما حصل في محور بلدة الخيام ،وستبقى تلزمه بالتراجع والهزيمة تباعاً، بإرادتها الحية، وبوعيها لمخاطر مخططاته ،ولن تنتصر دولة الجريمة على بلادنا، وهي التي تقوم على غير محورها الطبيعي، ان في التاريخ او الجغرافيا او الإنسانية.