يعرّف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي الإرهاب بأنه: “الاستخدام غير القانوني للقوة والعنف ضد الأشخاص، أو الممتلكات لتخويف، أو إكراه الحكومة، أو السكان المدنيين، أو أي جزء منهم، من أجل تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية.”
أما الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم (60/43) الصادر في كانون الثاني/ يناير 2006 فتعرف الأعمال الإرهابية بأنها “أعمال إجرامية يقصد أو يراد بها إشاعة حالة من الرعب بين عامة الناس أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين لأغراض سياسية”.
في الواقع لا تزال التعاريف الوطنية للإرهاب، متروكة الى حد كبير لتقدير الدول، مما يولد تفسيرات متباينة في التشريعات الاقليمية الخاصة بمكافحة الارهاب. ولعل – معادلة (جيش وشعب ومقاومة) التي اقرت في العديد من بيانات تأليف الحكومات اللبنانية، وما يتعرض له لبنان اليوم من عدوان اسرائيلي يستهدف المقاومة والجيش والشعب – الا تأكيد على هذا التباين في تعريف الارهاب حيث تعتبر اسرائيل ما قامت به المقاومة في لبنان لجهة اسناد جبهة غزة ارهابا، في حين تعتبر المقاومة أن رد اسرائيل على حماس بعد عملية السابع من تشرين الاول / اكتوبر عام 2023 ارهابا يرقى الى جرائم حرب.
في الخامس من تشرين الثاني / نوفمبر عام 1980 بثت الاذاعة الاسرائيلية خبر اغتيال الشهيد كمال خير بك على الشكل التالي: (“قتل اليوم في بيروت الإرهابي كمال خير بك الملقب بأبو زياد. وكمال خير بك له علاقة مع عدد من الارهابيين الدوليين وترأس لفترة طويلة تنظيما ً يضم كارلوس وعدد من (المخربين)، ويعتبر كمال خير بك ابرز المعاونين للإرهابي وديع حدا”) .
صفة المخرب التي أطلقها الكيان الغاصب على كل مقاوم ضد الاحتلال كانت النموذج الاولي لمفهوم الارهاب الذي تم تعميمه بعد تزايد العمليات الاستشهادية بدءاً من لبنان ومرورا في فلسطين.
فقد ادت موجة من العمليات الاستشهادية التي نفذتها حركة حماس في منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى مقتل العشرات من الإسرائيليين، وفشلت أجهزة الاحتلال الأمنية والعسكرية في مواجهة تلك الموجة، وانتشر الرعب والذعر بين الإسرائيليين، مما أدى الى تداعي الولايات المتحدة كالعادة لإنقاذ حليفتها.
والدعوة في الثالث عشر من اذار / مارس عام 1996 لمؤتمر عالمي كبير في شرم الشيخ تحت عنوان “صانعي السلام”، وكان في حقيقته مؤتمرا دوليا لـ “مكافحة وشطب وإنهاء حركة حماس”
ضمت القمة عدداً كبيراً من المشاركين بلغ 29 دولة بجانب الدولتين الراعيتين لعملية السلام بالمنطقة وهما الولايات المتحدة، وروسيا، وشاركت في القمة أطراف مباشرة في الصراع هي إسرائيل، والسلطة الفلسطينية، والأردن، و12 دولة عربية أخرى، فيما رفضت كل من سوريا، ولبنان المشاركة في هذه القمة.
وانتهى البيان الختامي إلى التركيز على “استراتيجية شاملة تتناول تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط ومواجهة حركات العنف في المنطقة”.
ونتيجة لذلك تم وضع تعريفات وتصنيفات عدة لموضوع الارهاب وتم انشاء مكتب دولي لمكافحة الارهاب في الامم المتحدة.
أنشئ مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في 15 حزيران/يونيو 2017 عملا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 71/291. وقبل ذلك التاريخ وتحديدا في العام 1972 انشئت في اميركا منظمة مكافحة الارهاب باسم مكتب مكافحة الارهاب بناءً على توصية من لجنة خاصة عينها الرئيس الاميركي أنذاك ريتشارد نيكسون في اعقاب هجوم استهدف البعثة الاولمبية الاسرائيلية في دورة الالعاب الاولمبية في ميونيخ..
عملية ميونخ هي عملية احتجاز رهائن إسرائيليين حدثت أثناء دورة الالعاب الأولمبية في ميونيخ سنة 1972 نفذتها منظمة ايلول الاسود وكان مطلبهم الإفراج عن 236 معتقلاً في السجون الإسرائيلية معظمهم من العرب، وانتهت العملية بمقتل 11 رياضياً إسرائيلياً و5 من منفذي العملية الفلسطينيين وشرطي وطيار مروحية ألمانيين.
مما سبق يتبين لنا ان مفهوم الارهاب ومكافحته قد انشئ واستخدم لخدمة ولحماية الكيان الغاصب من اي اعتداء يتعرض له.
وتحت ذريعة مكافحة الارهاب، قامت اسرائيل ولأكثر من مرة باستهداف مدنيين بحجة تواجد ارهابيين بين هؤلاء المدنيين. هذه الاستهدافات العسكرية ارتقت الى مستويات الابادة الجماعية (Genocide) لأبرياء تجاوزت اعدادهم مئات الالاف، تندرج في إطار جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية. فعلى سبيل المثال (مجزرة دير ياسين، ومجزرة مدرسة بحر البقر، ومجزرة اسعاف المنصوري، ومجزرة قانا ومجزرة مستشفى المعمداني، الخ) ، كل تلك المجازر لم يستطع المجتمع الدولي احالة اسرائيل خلالها الى محكمة العدل الدولية لمحاسبتها ، او اقله ادانتها .
وعلى الرغم من توقيع إسرائيل على نظام روما الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية، وإعرابها عن “تعاطفها العميق” مع أهداف المحكمة، فقد سحبت إسرائيل توقيعها في عام 2002، وفقاً للمادة 127 من النظام الأساسي.
هذا الانسحاب الاسرائيلي من المحكمة كان بسبب الدعوة التي اقيمت على اسرائيل وعلى رئيس وزرائها أنذاك ارييل شارون (الذي كان وزيرا للدفاع في العام 1982 ابان الاجتياح الاسرائيلي للبنان) بسبب مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982. وللمفارقات العجيبة فقد تم اغتيال الوزير ايلي حبيقة الذي كان سيمثل للشهادة امام المحكمة الجنائية الدولية بوجه المتهم ارييل شارون بالدعوى المقامة ضده وضد الكيان الغاصب بمسؤوليتهم عن مجزرة صبرا وشاتيلا.
في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أي بعد 40 يوم على العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وبعد المجازر والفظائع التي ارتكبها الكيان الغاصب على المدنيين من اطفال ونساء وكهول، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تلقي مكتبه إحالة جديدة بشأن الحرب في غزة، من قبل جنوب أفريقيا وبنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي، حيث أكد المدعي العام أنه يجري حاليا تحقيقا في الوضع في دولة فلسطين.
كما يذكر أنه في 20 مايو/أيار 2024، طلب المدعي العام في المحكمة من الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع الاسرائيليين نتنياهو وغالانت بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية في عددها الصادر في 28 ايار / مايو ان إسرائيل مارست “مؤامرة سرية” ضد المحكمة الجنائية الدولية، انخرط فيها، يوسي كوهين، رئيس الموساد السابق، الذي وصف بأنه “الرسول غير الرسمي” لنتانياهو لمنع المحكمة من التحقيق في “جرائم حرب” ارتكبت في الأراضي الفلسطينية.
لكن مكتب نتانياهو الذي تلقى أسئلة من معدي التحقيق، علق بالقول إنها “مليئة بادعاءات كاذبة لا أساس لها، وتهدف لإيذاء إسرائيل”.
ويوضح التحقيق بالتفصيل كيف تم نشر وكالات الاستخبارات في البلاد لـ “المراقبة والاختراق والضغط على كبار موظفي المحكمة الجنائية الدولية وتشويه سمعتهم وتهديدهم. وأوضح خبراء بالقانون الدولي أن “سلوك أجهزة المخابرات الإسرائيلية يمكن أن يرقى إلى مستوى الجرائم الجنائية”.
بعد 28 عاما من ذلك المؤتمر الذي أطلق عليه “صانعي السلام” لم يستطع مقيموه جلب السلام، بل تم جلب المزيد من الخراب والدمار والاستيطان وسرقة الأراضي، ومزيد من القتل للفلسطينيين وللبنانيين وللسوريين وللعراقيين ولليمنيين (يستثنى من القتل المطبعين ) ، ومزيد من الانتهاكات للمقدسات والمسجد الأقصى ، فكانت النتيجة الطبيعية استمرار المقاومات ضد الكيان الغاصب ، وسعي هذه المقاومات المختلفة الى تطوير قدراتها العسكرية والحصول على هذه المقدرات ممن يدعمها .