الملفت جداً في هذه الحرب شكل العدوان الذي يشن على لبنان ويدفع إلى السؤال عن تنعم نصف لبنان بسلام ولو جزئي بينما نصفه الآخر يحترق ويدمر ويهجّر؟
فما الفرق بين الحربين، حرب الـ 2006 واليوم؟ بينما العدو واحد والمدافعين هم أنفسهم، في الحرب السابقة، فماذا تغير في المقاربة؟
القواسم جدا مشتركة ان في افتتاح الحرب أو في قصف وتدمير المراكز العسكرية واللوجستية للمقاومة، وخطوط الإمدادات الظاهرة، وكذلك الاستهداف الممنهج للمنازل والعمارات السكنية المدنية في الجنوب والضاحية …
إضافة لذلك تم تدمير 97 جسراً و630 كيلومتراً من الطرق العادية والسريعة، كما تمّ استهداف محطات توليد الكهرباء وخزانات الوقود وأصيبت عدة خزانات (التسرب النفطي في الجية)، وكذلك شبكات النقل الرئيسية للمياه الصالحة للشرب، وفي غياب الكهرباء، توقفت إمدادات المياه في الجنوب وبيروت. كما تضرر ستة عشر مشفى، وثلاث مائة وخمسين مدرسة في الضاحية الجنوبية وجنوب البلاد. كما أصيب 142 مصنعاً وشمل القصف العديد من المصانع الاستراتيجية، وأصيبت صناعات أساسية بالشلل، كما هو الحال في تدمير مصنع «حليب لبنان»، الذي يصنّع 70% من إنتاج الحليب في لبنان.
لقد سعى الكيان الزائل لعزل البلاد عن طريق إلحاق الضرر بالبنية التحتية للاتصالات والتبادل مع الخارج: – المطارات والموانئ والمعابر الحدودية مع سوريا، فقد توقف الميناء والمطار عن العمل بضعة أشهر،
دون أن ننسى استهداف الرادارات البحرية التابعة للجيش اللبناني ونقاط انتشاره وثكناته، حيث سقط له أكثر من أربعين شهيداً يومها.
لن نغوص أكثر في التفاصيل، علماً أنه يومها كان عديد العدو على حدودنا، بين عشرة، في بداية الحرب، إلى ثلاثين ألفاً في نهايتها،
أما اليوم، فالانطلاقة كانت مع أربعة فرق ولواءين احتياط، أي ما يتعدى الستون ألف مهاجم، مدججين بأحدث وأعتى التقنيات والوسائل الحديثة للقتال.
وهنا نعود للجواب على التساؤل، لماذا يتمّ تحييد البنية التحتية اليوم؟؟؟وإذا الجواب هو في كلمتين: -«اليوم التالي ما بعد حزب الله»….
كل النظريات السابقة بالنسبة للعدو، سقطت، وباتت رؤيته واضحة تماما لما هو ذاهب إليه، وواهم من لا يرى ذلك.
إن تحييد العدو للبنية التحتية في مناطق محددة مسبقاً، القصد منه ترك نواة من العمران والمؤسسات للرئيس القادم، في اليوم التالي.
هذا التصور الصهيوني، يعتمد على فكرة انتصاره العسكري الحتمي بحسب رؤيته للأحداث، وخصوصاً بعد ما أصابه من نشوة إثر تنفيذه عمليات أمنية معقدة، تم فيها اغتيال قادة وعلى رأسهم، شهيدنا الأسمى سماحة السيد، نصر الله. وهذا عنى له حكماً، بإنعكاس المرآة ، انتصارا سياسياً، للمحور الغربي – الأمريكي الداخلي اللبناني ، مما سيفرض معادلة جديدة داخلية، بالمساحة المتبقية من لبنان الكيان الذي نعرفه ، ( حيث سيتم اقتطاع جزء منه لدواعي عسكرية و أمنية لصالح المحتل )،
كما سيجلب رئيسا على ظهر الدبابة، يكون مستعدا للمضي في توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وهدنة، مع تعهد يتبعه بعد فترةً قصيرة، اتفاقية تشبه اتفاق وادي عرب واتفاقيات الاستسلام المشابهة.
إذا السؤال هو عن الرئيس الانتحاري الذي سيقبل بتحمل هذه المسؤولية، والذي هو بحاجة ماسة إلى نقطة انطلاق، وهذه النقطة هي التي يتم الحفاظ عليها حتى الان. (كما أسلفنا القول) ويبقى نقطة واحدة عالقة، إلا وهي الميدان.
الظاهر، وما يحاول إعلام العدو إبرازه من بهرجة انتصارات وهمية يروج لها إعلامنا أكثر حتى من إعلامهم.
خلاصة القول، ان صمود الميدان، وفداحة خسائرهم، ستجبرهم بالتخلي عن مشاريعهم التفتيتية للبنان، قبل الذهاب لتسوية تكفل الحلول بالديبلوماسية .