نعم تغيرنا بعد السابع من أكتوبر 2023 وأصبحنا نحن من نصنع الحدث ونصنع مستقبل العزة والكرامة للأمة. غيرت المقاومة المفاهيم، وبات هناك مفاهيم جديدة مرتكزة إلى نظرة جديدة للحياة لا تقبل بأقل من الحياة العزيزة للأمة، حياة لا خنوع ولا استسلام ولا ذل فيها. نعم لقد خلطت عملية طوفان الأقصى الأوراق وأصابت المشروع الأمريكاني والأطلسي واليهودي بقلبه وجعلته يتخبط بالبلبلة والضياع، وقد أعمت عملية طوفان الأقصى عيون المستعمر، وفككت بنيان خريطته السياسية في المنطقة، لان أحزاب ومنظمات المقاومة مدركة طريقها وهي سلكت منذ تأسيسها طريق الكفاح المسلح، لمجابهة العدو اليهودي والتمدد الأمريكاني الاستعماري.
ولتقييم عملية طوفان الأقصى التي كانت أهدافها العملية فك الحصار وتحرير الأسرى، وإيقاف اندفاع المشروع اليهودي الأمريكاني، والتقليل من أضراره، وتثبيت خيار الكفاح المسلح في التحرير، وتثبيت خيار المقاومة، وهذه خطوة إستراتيجية لبقاء شعلة المقاومة متقدة. كلنا رأينا كيف كانت الولايات المتحدة الأمريكانية ومعها العدو اليهود متحكمان في مسار الحركة السياسية لجر الأنظمة العربية للتطبيع وتتويج «دولة» العدو لقيادة المنطقة والشروع في إنهاء المسألة الفلسطينية وكيف وقفت عملية طوفان الأقصى سدا منيعا في وجه هذا المشروع وكيف كانت الدرع المنيع سلاحها الأجساد العارية، والأشلاء المتناثرة لمنع تهويد فلسطين. وهذا هدف استراتيجي مشروع تختاره الشعوب المحتلة والمستعمرة. وعلينا ان لا نرى دخول لبنان والشام والعراق وإيران واليمن إلى جانب المقاومة بكل فصائلها في فلسطين امرا تكتيكيا، بل كان أمر جوهري ومصيري. لان الجميع استشعروا الخطر الآتي إليهم إذا تركوا مسار تهويد فلسطين ينجح.، ولا عيب أن تتقاطع مصلحة إيران واليمن مع مصلحتنا القومية في حربنا الوجودية مع هذا العدو اليهودي، دون أن نتجاهل المصلحة الروسية والصينية في إضعاف المشروع الأمريكاني ولو بشكل مستتر. ولكن ليس هذا موضوع مبحثنا الآن.
فموضوعنا إفشال تهويد فلسطين وكل بلادنا. وبعكس ما يسوق له بعض المثقفين في بلادنا. ان المقاومة بعد رفع السقف مع بدايات عملية طوفان الأقصى صارت تطالب بوقف إطلاق النار، وان العدو اليهودي يرسم حدود المنطقة تبعا للتوراة. فكلام بعض الكتاب ليس فيه دقة وبصيرة ويفتقد للرؤية السديدة، لان حركة السابع من أكتوبر العسكرية مزقت التوراة الكاذبة، ووضعت حدا لحركة يهوه ليس على صعيد فلسطين، بل على صعيد العالم اجمع. وبلاؤنا ببعض المثقفين الجاهلين لأصول حركات التحرر أو حركات المقاومة. فالمقاومة ليست هي الدولة وليس لديها إمكانيات دولة هي فعل نفوس تأبى الذل وتقاوم، ولان المقاومة هي فعل عسكري وغير عسكري تحارب دولة أو دول أو مجموعات همجية كما اليهود، غزت بلادها، فدور المقاومة هو العمل على إفشال مشروع العدو، وإبقاؤه غير مستقر واستنزافه وفقا لقدراتها ومجهودها الحربي. وما حصل ليس انكسار للمقاومة، بل كان انتصار لان المقاومة والشعب لم يستسلما ولم يرضخا للإرادة اليهودية. أما القول بعض المثقفين ان هذا العالم يقف متفرجا على ذبحنا ولم يحرك ساكناً هذا ليس سببا لان نخضع للعدو ونستسلم، بل سببا لان نموت كما يليق بالأحرار، وسببا لان نقول إن القيم الإنسانية قد ماتت في وجدان كل سياسيين الحلف الأطلسي والعرب المتآمرين. ليعلم الكتاب الجهلة أن جميع أحزاب ومنظمات المقاومة في بلادنا وفي محور المقاومة، يدركون ان الدولة اليهودية الزائلة ومؤسساتها السياسية لهم عقيدة واحدة وهي قتلنا واقتلاعنا من الوجود.
لا يسعنا الا ان نتوجه للكتاب الذين يكتبون في أجواء هادئة وموسيقى ناعمة، لنقول إن أصغر مقاوم في محور المقاومة يعرف من يحاصره ويعرف من يصنع الصاروخ الذي يسقط على رأسه ويعرف من يتجسس عليه ويعرف من هو طامع في ثرواته أكثر منكم. ويعلم محور المقاومة علم اليقين ان الدولة اليهودية الزائلة أسست بإرادة الدول الاستعمارية لتكون بالدرجة الأولى العصا الغليظة لهم في المنطقة، وللتخلص من حقارة اليهود في بلادهم. فالمقاومة تعلم مع من تخوض حربها فالزعيم سعاده أضاء على أعدائنا منذ عشرات السنين إذا قال ليس حربنا مع اليهود فقط، بل حربنا كذلك مع الذين وراء اليهود. ان التعريف الذي عرفه الزعيم صار واضحا عند كل من كان خيارهم الكفاح المسلح. نقرأ لبعض الكتاب ان المشروع اليهودي المعد لبلادنا هو أقدم من الدول القائمة في بلادنا هذا الكلام فيه شيء من الصحة لان هذا المشروع خطط له وبلادنا تحت الاحتلال التركي، ولكن فات الكاتب ان الشعب السوري هو شعب له تاريخ طويل يتعدى التاريخ الجلي ومنشئ أول دولة بالتاريخ، ورغم تجميع المؤمنين بالكنيس والذين هم ليسوا شعب وحتى الآن ليسوا شعب وليسوا دولة لأن الدولة من أسس انشائها الأرض وهم لا أرض لهم بل هم مرتزقة جمعتهم الوكالة الصهيونية بأمر من الحكومة البريطانية لزرعهم كفرقة عسكرية رديفة للجيش البريطاني المحتل في فلسطين .ان سلب فلسطين من قبل البريطانيين وتسليمها للفرقة العسكرية اليهودية يوجب على السوريين المقاومة، كما يوجب على المثقفين قيادة الشعب لإنشاء دولة واحدة قادرة على مواجهة هذا الاحتلال اليهودي، وكل احتلال آخر، هنا يكمن دور المثقفين والكتاب وليس دورهم إحباط دور المقاومة الأهلية وتسخيف نضالها، فمسؤولية سحق الاحتلال اليهودي ليس مسؤولية المقاومة الشعبية بل مسؤولية جيش الدولة . فالمقاومة لا تقارن إمكانياتها مع إمكانيات الدولة المحتلة ولا في إمكانيات الدولة الغازية، لإنها أعمال شعبية ومجموعات رافضة الواقع الاحتلالي، تفدي بدمها أرضها وشعبها، ليبقى النزاع قائم والحرب مستمرة، لعل الشعب يعي حقيقته ويؤسس دولة قادرة بهمة المثقفين. ولان البعض من المثقفين القصيرى النظر وخاصة الذين خاضوا التجربة السياسية، لا يدركوا معنى حرب التحرير القومية ومعنى حرب العصابات، ويخلطون بين مسؤولية الدولة في الإعداد لجيش قوي يسحق كل معتدي وبين مسؤولية الأفراد والجماعات والأحزاب المقاومة، وبين المسؤوليتين فرق كبير. فالمقاومة هي إرادة الأمة الحرة الرافضة للذل وهي التي تضرب المحتل لتبقي إرادة الرفض للاحتلال عميقة بنفس الشعب، وليس مسؤوليتها سحق جيش مجهز وخلفه كل جيوش الأطلسي، بل هي مسؤولية الجيش النظامي للدولة، نكرر ما أسلفنا قوله دور المقاومة ليس الفوز النهائي على العدو، بل دورها تقليل أضرار العدو المحتل وإفشال مشروعه، وعدم استقراره، وعدم قبوله كأمر مفعول. ورغم مشهديه المجازر التي حصلت عقب السابع من أكتوبر فقد أصابت المقاومة محرك العدو وعطلته عن الحركة وأسست ليقظة بالأمة نأمل ان يتلقفها المثقفين الواعين لإقامة دولة واحدة تحرر الارض وتصون كرامة إنسانها.