لعمرك هذا ممات الرجال

قضى الشهيد يحيى السنوار حياته بخطر وقلق، ولكنه غادر هذه الدنيا أمنا مطمئنا فقد قضى في سجون الاحتلال 22 عاما ولم يكن يتوقع الخروج من السجن لذلك نظر لتحرره من الاسر بصفقه التبادل الشهيرة وكأنه وقت اضافي مستقطع. كما قضى الشهيد أكثر من فتره السجن هذه مناضلا مقاتلا مشتبكا ومطاردا مطلوب راسه. ولكنه غادر الدنيا مستحقا شرف الموت في سبيل مساله امن بانها تتفوق في اهميتها على حياته مقدما النموذج بالفداء ومنتقلا من حاله المناضل الى حاله البطل ثم الى حاله الرمز الملهم الذي سوف تقتدي بنضاله وتخلده اجيال واجيال.

مثل الشهيد يحيى السنوار مدرسة في النضال كان اخر دروسها ومحاضراتها القتال المباشر من مسافة صفر، ولكنه قبل ذلك كان قد اعطى دروسًا عديدة. كان درسه الاول الالتصاق بأرض غزة وأهل غزة، لا مستشعرًا همومهم وحاجاتهم فقط، وانما مشاركًا اياهم مشاركة كاملة في معاناتهم. اصلح الحال الذي ساء داخل حركة المقاومة إثر انتشار جراثيم “الربيع العربي” الزائف وأوهام التسويات التي انجر وراءها بعض من قادة حماس، واعد العدة للمعركة باقتدار رافعا شعار وحدة الساحات ووحدة المصير. وكان معياره في التحالف هو التزام الحليف بالمقاومة وانخراطه بها، ومن هنا جاء الاقتراب الحقيقي بين نهجه في غزة مع اطراف المحور المقاوم وابتعاده الجزئي عن الحلفاء المتوهمين الذين يكتفون بإيجاد مأوى مريح لبعض القيادات، والقيام بوساطات غير محايدة تمثل قنابل دخان يتسلل من ورائها العدو ويأخذ وقته في القضاء على المقاومة ولعل الايام والسنين القادمة سوف تكشف المزيد من قدرات وملكات الشهيد الابداعية بما فيها ملكاته الادبية والفنية وعن ما قام به من اعمال وانجازات وما حمل عقله من افكار وما اشتمل قلبه من شجاعة وايمان اتمها باستشهاده في معركة حقيقيه مباشرة، سقطت البندقية من يده الا ان الراية بقيت عالية.

احتفل (الاسرائيلي) بإنجاز المصادفة، واعتبرت ابواقه الإعلامية العبرية الخالصة والعرب- عبرية ان استشهاده كان نصرا مؤزرا لهم في حين ان الشهيد ومن يحب الشهيد يعرف ان لا أحد يعيش الى الابد وان لحظة الاستشهاد المؤجلة قد استحقت وقتها وان لابد منها فكانت حسب ما ارادها في ساحه الجهاد موتا عزيزا كريما كما قال شاعر عنبتا عبد الرحيم محمود:

لعمرك هذا ممات الرجال         ومن رام موتا كريما فذا

اعتبر(الإسرائيلي) وأبواقه الإعلامية أن استشهاده في المواجهة المباشرة كان عملية اغتيال وانه نصر كبير وان كان في معركة غير متكافئة ميزان قوتيها كفة القوة المفرطة وكفة الشجاعة والايمان ولم يكن نتيجة لاختراق امني او قدرات استخبارية لأجهزته والتي اعتاد التبجح بقدراتها ،وافترضت هذه الابواق والصحف ان المقاومة مرتبطة براس لا بنهج ،ومن هنا جاء العنوان الرئيس لإحدى تلك المنابر (المقاومة قد اصبحت بلا راس) ولا يدرك هؤلاء ان المقاومة طريق وايمان وهي اكبر من اي راس او شخص بالغة ما بلغت مكانه، لم يكن هؤلاء قادرين على اخذ الدرس والعبرة ومن استشهاد امين حزب الله الذي لم يوهن عزيمة المقاومة اللبنانية و تحول الدم الشهيد في شرايين العمل المقاوم حزم وتصميم وتوهج، ووصلت مسيراتها وصواريخها الى حيث يجب ان تصل في فيساريا جنوب تل ابيب حيث مسكن رئيس الوزراء نتنياهو الذي لا زال الاعلام المعادي يتكتم حول تفاصيل الحادث حتى تاريخ كتابة هذا المقال.

يحتاج الحدث الى قراءة سياسية على ضفتي الحرب:

على الضفة المعادية ،يرى كثير من الاستراتيجيين ان دولتهم قد حققت مجموعة ضربات مؤلمة للمقاومة كان على راسها اغتيال الرموز الاولى امين عام حزب الله وقائد المقاومة في غزة وانهم قد قضوا على نصف قدرات المقاومة اللبنانية في حين ان المقاومة الفلسطينية في غزة قد اصبحت مجموعات لا رابط بينها وهي برايهم انتصارات تكتيكية لا استراتيجية ،وبناء على ذلك فان قيادة محور المقاومة في طهران قد فقدت اهم اذرعها، المقاومتين الفلسطينية واللبنانية لذلك فهي اللحظة التاريخية المناسبة للوصول الى تسوية مع ايران وانهاء الحرب سريعا قبل انتهاء فاعلية هذه الانجازات التكتيكية، اما اصحاب القرار السياسي في الحكومة ومجلس الحرب فيرون ان الحرب يجب ان تستمر وانهم بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية حيث يأملون بفوز دونالد ترامب الذي سيمنحهم فرصة للوصول لا الى تسوية مع ايران وانما لسحق امكانياتها وجعلها تقبل بإملاءاتهم و شروطهم.

على ضفة المقاومة ،من الواضح ان المقاومة اللبنانية قد استعادت تماسكها وان المقاومة الفلسطينية في غزة ومعها جزء كبير من اهل غزة لم يعودوا ولن يقبلوا بالعودة مقابل معاناتهم الى نتيجة صفر، تجعل كل ما جرى يمر دون تحقيق نتائج تتناسب مع تضحياتهم، والجميع ينتظر ما ستقرره مجالس حركة حماس باتجاه اختيار قائدها الجديد وهل سيكون كما السنوار من اصحاب نظرية المواجهة ومن ارض المعركة و ميادينها، ام ان القائد الجديد سيكون من الموجودين في صالونات بعيدة عن الميدان وهذا الاحتمال الاخير ان حصل فان قياده المقاومة في غزه ستنتقل من حركه حماس الى حركه الجهاد.

جنين- فلسطين المحتلة