إبراهيم مهنّا يحاور الدكتور بشار خليفة في أصل تسمية سوريا

ابراهيم مهنا: هناك تفسيرات واجتهادات كثيرة في أصل كلمة سوريا وطريقة كتابتها. هل يمكن لحضرتك، أن تعرض لنا بعض الاضاءات في هذا الشأن؟

د بشار خليف: يكثر اللغط والشط والمط في محاولات تفسير مصدر اسم سوريا \ وليس سورية، فسوريا المنتهية بحرف الألف هي الأقرب لروحية سوريا من التاء المربوطة العربية في خصائصها اللغوية. نحن لا نقول “حرستة” أو “دارية” أو “قدسية”… إلخ، بل نقول “حرستا” و”داريا” و”قدسيا”. والألف في آخر الكلمة هي أل التعريف الآرامية. فمنهم من أعاد مصدر التسمية إلى آشور، ومنهم إلى السريانية، ومنهم من قال إن مصدرها من كلمة سوريا في السنسكريتية، وتعني الشمس، إلى ما هنالك من الآراء. أو أن مصدرها يعود إلى اسم مدينة صور أو سر. لا بل أن بعضهم ولأسباب سياسية شاء أن يعيد التسمية إلى الأصل الحوري \ الخوري، ومن ثم يجري تبديل الحروف كيفما شاء السيرك اللغوي لجعل كلمة حوري او خوري تصبح سوري!!! الخ ….

تاريخياً، أول ذكر لاسم سوريا ظهر عند هيرودوت في القرن الخامس ق.م، ثم تبعه كسينوفون.

عند الرومان كان اسم سيروس syrus يعني كل شخص يتكلم السريانية. وشاعت التسمية في الكتابات اللاتينية اعتباراً من القرن الأول قبل الميلاد.

تجدر الإشارة إلى ورود اسم سوريا في عمل مسرحي لاسخيلوس في مسرحيته آغا ممنون والتي تسبق تواريخ هيرودوت بعشرات السنين، جاء في النص المسرحي: ” كأن الدار، عندما نسمعك لا تعبق بالأريج السوري “.

في حوار لنا مع د. محمد محفل سألناه: أنطون سعادة، طرح في الأربعينات من هذا القرن التسمية = الهوية ” السورية ” على هذا المزيج. إلى أي حد نستطيع أن نحدد مدى اقترابه أو ابتعاده عن الحقيقة العلمية؟ اعتمد على اشتقاق اسم سورية من آشور. آسور…!

أجاب د. محفل: إذن دعنا نبحث في زمن ظهور تسمية سورية في التاريخ. التسمية بدأت تظهر منذ سقوط الدولة الآشورية حوالي 612 ق.م. وهذه التسمية لم تظهر في الوثائق المحلية. وأول ذكر لها ورد عند هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد وبعد سقوط نينوى عام 612 ق.م. الآن وفق ما طرحه سعادة من أن اسم سورية مشتق من آشور فلهذا ما يبرره لأن تسمية آشور قديمة جداً. ويمكن أن أزيد على هذا بأن هناك من يقول بدراسات آشورية وهي التي تعني الدراسات الأكادية والبابلية والآشورية.

ومن هنا يكون لهذه التسمية ما يبررها. ولهذا فأنا أدعو إلى نقاش وحوار جدّي ورصين وعلمي من أجل الوصول إلى تسمية محددة تستوعب كل تاريخنا وتقوم على حقائق علمية وموضوعية. وهنا أحب أن أشير إلى أن تسميات عديدة لبعض الدول لم تكن نابعة من داخلها. ففرنسا كتسمية لم تظهر إلا حوالي القرن الثامن أو التاسع الميلادي وكذلك إيطاليا. وأود طرح مسألة تمس تاريخ الهلال الخصيب، حيث أنه خلال فترة المد الإسلامي، كان هناك مؤرخون تحاملوا على هذه المنطقة منهم الطبري وابن خلدون، حيث سببوا عبر كتاباتهم التشويش والبلبلة وهذا ناتج عن عدم اعتمادهم على الوثائق لعدم توفرها آنذاك ولاقتصار معلوماتهم على ما سمعوه. فاختلط الخبر التاريخي بالأسطورة وتداخل الواقع مع الرواية وهذا ما سبب التشويه والبلبلة على حضارة الهلال الخصيب. إلى أن جاءت الاكتشافات التاريخية وألقت الضوء على هذه الحضارة.

وفي حوار لنا مع د. نقولا زيادة سألناه: هل تقصد أن اسم سورية منحوت عن السريانية …؟ أجاب: لا. السريانية من سورية.

بناء على كل هذا، فإن اسم سوريا يعود ذكره لأول مرة إلى اليونان، وبطبيعة المعاني حول اسم سوريا فهي تحمل مدلولاً دينياً \ كإسم إله مثلاً \ أو مدلولا طبيعياً بيئياً أو عسكرياً.

تجدر الإشارة إلى أن الأسماء التي تحمل أسماء علم شخصية بحيث يتم اطلاقها على بلدان أو مدن هي اختراع يوناني – سلوقي، حيث أن السلوقيين أطلقوا على بعض المدن السورية أسماء أشخاص ك لاوديكيا \اللاذقية، أو أفاميا ، أو سلوقيا ألخ .

إلى الآن لم يتمكن الباحثون واللغويون من تحديد معنى اسم سوريا، ومتى ظهر لأول مرة تاريخياً سوى هذه المعلومات التي طرحناها. وكل ما تبقّى من اجتهادات ومحاولات لتفسيرها تبقى محض آراء لا تحمل يقين المعرفة ولا الرأي الجازم والحاسم المستند على حقائق علمية بحتة.