البركان السوري … قادم …!

البركان السوري … قادم …!

كلما حاولت الإفلات من دائرة الحزن … أجد نفسي محاصراً بالجرح الفلسطيني.. بطوفان من الدم، متواصل في تدفقه منذ مطلع هذا العصر، يرتسم على جبين الإنسانية بقعاً حمراء … عاراً، جرماً، إثماً.

لا يستطيع العالم التنصل من إثمه … العالم بأسره مدان بإثم الدم الفلسطيني.. وهذا العصر سيحفر على جبينه الإثم السوري …

عندما جرحت فلسطين بخنجر الاحتلال الصهيوني.. اتسع جرحها وتدفّق دمها حتى وصل إلى لبنان والشام والأردن والعراق ليشمل محيطها القومي برمّته.. سوريا الطبيعية.

بدأت سوريا الطبيعية تجسّد وحدتها القومية بالدم الذي يتجذّر على الأرض في مواجهة الغزو ” الاسرائيلي ” … وسوريا الطبيعية تجسّد عروبتها الصادقة، وانتمائها إلى عالم عربي خذلها.. وتخلى عنها، وتركها وحدها لمواجهة معركة المصير.. وأكثر من ذلك، فبعض الأطراف في هذا العالم العربي لم يكتف بدور الحياد والتخلّي.. بل تحوّل إلى موقع التآمر عليها والطعن بها … وإلا ماذا يعني إقامة مؤتمر لليهود في المغرب العربي.. بما فيهم يهود ” إسرائيل ” …؟؟

ماذا يعني خروج النظام المصري من ساحة الصراع مع العدو الصهيوني والاعتراف به.. وتكريس عدوانه بإقامة علاقات دبلوماسية معه، والسماح له بالاشتراك في معرض الكتاب الذي أقيم في القاهرة …؟؟

ماذا يعني الدور الذي يقوم به الرئيس السوداني جعفر النميري بتسهيل انتقال يهود أثيوبيا إلى فلسطين المحتلة لكي يصبحوا مقاتلين في صفوف جيش العدو اليهودي.؟؟

وماذا يعني أن تقيم المملكة العربية السعودية – والمجموعة الدائرة في فلكها – أطيب العلاقات مع الامبريالية الأمريكية الداعمة بلا قيد أو شرط للوجود الاغتصابي الصهيوني في فلسطين … المحرقة بحممها جبال لبنان … المهددة والمتوعدة لدمشق مع فجر كل يوم …؟؟

أين دور السعودية في إنقاذ فلسطين بلد الإسراء والمعراج …؟؟

أمام هذه الظروف المأساوية لسوريا والتي ارتضت بقدرها بأنها ” سيف العالم العربي وترسه ” وهي تخوض معركة الكرامة.. معركة الوجود والبقاء نيابة عن العالم العربي بأسره.. وبهذا تكون سوريا قد أكدت، بالدم والتضحيات، انتماءها العربي، وليس عبر الشعارات والبيانات الإنشائية الجوفاء. كان لابد من هذه المقدمة للوصول إلى صلب الموضوع الذي نحن بصدد معالجته …

الجرح الفلسطيني، تجاوز خصوصيته الفلسطينية وأصبح الرافد الذي يستمد استمراريته من شرايين أمته السورية.. التي رفضت تغييب العصر العربي ليحل محله ” العصر الإسرائيلي “.. وتأكدت مصداقية استشرافات الحزب السوري القومي الاجتماعي ومؤسسه أنطون سعاده …

ولم تعد فكرة المناداة بنهوض الأمة السورية خطراً على العالم العربي أو لتقزيمه أو شرذمته.. بل على العكس لقد تأكدت عروبة الحزب السوري القومي الاجتماعي عبر تحالفاته الجبهوية داخل محيط بيئته الطبيعية وخارجها.. وأكد الحزب عبر ممارساته الفكرية والقتالية على أرضية الصراع، بأنه ليس حزباً يحمل طموحات فئة، بغض النظر إن كانت تلك الفئة طائفة أو عنصراً.. طبقة أو كيان.

في غمرة الصراع أكد الحزب السوري القومي الاجتماعي على أن حركته ليست حركة منغلقة على نفسها.. منعزلة عن مجتمعها.. والواقع الاجتماعي والتاريخي لشعبها … ولم تعد فكرة القومية السورية نقيضاً لفكرة ” القومية العربية “، بل أصبحت البديل … المخرج للأزمة الأيديولوجيّة التي وصلت إليها مقولة ” قومية اللغة ” أو ” قومية الدين ” …

إن فكرة القومية السورية التي تطمح إلى توحيد البيئة السورية هي النموذج للفكر التوحيدي، بحيث يشجع على توحيد بيئة وادي النيل وبيئة المغرب العربي وبيئة الجزيرة العربية … وعوضاً أن يكون العالم العربي هذه البيئات الأربعة المجزأة، يصبح أربع بيئات موحّدة، بعد أن يتوحد الأفراد داخل كل بيئة … عندها يسهل توحيد العالم العربي ببيئاته الأربع على قاعدة الجبهة العربية التي هي، في الأساس، من ضمن غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي السعي لإنشاء جبهة عربية موحدة المصالح.

إن فكرة القومية السورية في جوهرها التوحيدي.. وأبعادها وشموليتها، ستسهم في إخراج فكرة ” القومية العربية ” و” الأمة العربية الواحدة ” من مأزقها الأيديولوجي، وفي تصحيح المسار التاريخي لحركة التطور والتقدم في البيئات العربية الأربع، وفي دحر الغزو الصهيوني الطامع في إقامة امبراطورية يهودية على كامل تراب سوريا الطبيعية.

من هنا نستطيع أن نقول أن خروج المسألة الفلسطينية من أيدي أصحابها قد ساهم في تكريس اغتصابها حتى الآن، وتعرّض أجزاء أخرى من وطننا السوري للاغتصاب.!! بعد المأساة التي تعرض لها أهلنا في فلسطين.. بدأت المأساة تكبر … وبدأت كربلاء الجنوب.. واتسع الجرح ليشمل الجولان.. والضفة الغربية.!! ويرتفع صوت سعاده مدوياً:

” إن الأمة السورية هي وحدها صاحبة الحق الطبيعي والشرعي في فلسطين، وأنه ليس لغيرها أن يقول الكلمة الأولى والأخيرة في مصيرها “

هذ الحقيقة الخالدة، وهذا المبدأ الحقوقي الذي وضعه سعاده هو بمثابة الجمر.. هو خميرة بركانية تتفجر في بنادق حركة المقاومة … هو الجمر الذي لا تستطيع الرياح أن تذريه لأنه ملتصق بأعماق الأرض.. فالويل للمتآمرين علينا.. البركان السوري قادم.

_______________

*عضو المجلس الأعلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *