معادلة فائض القوة = فائض الصبر

مرت بنا يوم أمس الاثنين الذكرى المجيدة الاولى لمعركة طوفان الاقصى باعتبارها معركة من معارك الحرب المتواصلة مع المشاريع المعادية منذ أكثر من قرن من الزمان، وقفنا قبل عام ووقف معنا العالم في حالة دهشة عندما باغت قرابة الالف شاب ومن تبعهم بإحسان اقوى التحصينات في العالم وحولوها الى خطوط من الوهم وأسقطوا للمرة الثانية بعد عام 2006 صورة الدولة القوية والجيش الذي لا يقهر. هذه المعركة مستمرة دون ان تظهر بوادر لنهايات لها في الافق الزمني المنظور، فطرفا الحرب لا زال كل منهما يرى ضرورة المضي بها ويرى ان لديه ما يدعمه على مواصلتها.

الطرف (الاسرائيلي) المعادي يرى انها حرب وجود لابد له من السير بها حتى نهاياتها التي اخذ يتصورها بانها يجب ان تنتهي بإعادة تشكيل الشرق الاوسط بسايكس- بيكو جديد، فالانتصار على غزة لم يعد كافيا للحفاظ على وجود الدولة، ودون ذلك فهو يدرك تمام الادراك ان الخسارة تعني بداية التفكك السريع والعد العكسي لعمر دولته القصير.

من جانبنا فنحن نخوض للمرة الثانية بعد عام 2006 حربا نتثبت فيها من ان المشروع المعادي على ما يملك من قوة وسلاح الا انه كيان مصطنع بلا جذور وانه آيل للسقوط والفناء لا محالة، وفي معادلة الحرب هذه فان ميزان القوى الذي تتواجد في كفته الاولى دول العالم الغربي وبعض عالمنا العربي بأوزان ثقيلة من مال وسلاح ونفوذ و بمقادير لا يمكننا مناظرتها، فيما الكفة الثانية، كفتنا نحن في محور المقاومة فعلى قلة العدد والعتاد والنصير والسلاح الا اننا نملك الايمان والقدرة على التضحية والصبر وقوة الاحتمال وعلى استعمال مواردنا القليلة بإدارة مقتدرة بعيدة عن الانفعال والارتجال في الرد او في معالجة مكان الخرق والضعف، هكذا نرى التوازن في معادلة فائض القوة والثروة وبين فائض الصبر والايمان، ومن قال ان الاقوى هو من ينتصر.

طيلة عام مضى عجزت دولة الاحتلال عن تحقيق نصر في غزة وفق مفاهيم الانتصار في السياسة و العلم العسكري وان كانت قد لجات الى اقوى ما لديها من قوة تدمير وقتل واحراق، فمنطق السياسة يقول ان المنتصر ليس من يقتل اكثر او يحرق ويدمر ويحتل اكثر، وانما من يحقق اهدافه من الحرب وهذه الاهداف (الإسرائيلية) المعلنة بسحق المقاومة واطلاق سراح المستوطنين الذين تم اسرهم وأفراغ الشمال من كل ما فيه من بشر او جماد، صبيحة ذلك اليوم الجميل لم يتحقق اي منها، وقد اعلنت دوله الاحتلال اول امس انها بصدد اعادة الهجوم على شمال غزة وجباليا تحديدا بعد عام من اعلانها القضاء على المقاومة هناك وحسب ما تقول المصادر (الإسرائيلية) اول امس ان هذه المنطقة التي لم يبق  فيها شجر او حجر او بشر منذ الاسابيع الاولى للحرب، يتواجد بها الان اكثر من 5000 مقاتل فالمقاومة قد عاودت نشاطها بقوة وتنظم نفسها من جديد .

وهكذا فان بنك اهدافها قد استنفذ أرصدته طوال هذا العام ولم يبق به اهداف لضربها الا الاستمرار في الحرق والقتل والتدمير، لذلك تريد ان تجعل من غزة اليوم معركتها الثانوية لتواصل الحرب على جبهتين على الاقل وهما الله جبهة الضفة الغربية وجبهة لبنان معتمدة على الدعم غير المتناهي الذي يقدمه محورها من غرب وعرب بالسلاح والمال وجسور الامداد التجاري والمعلومات الاستخبارية، وبالطبع اضافة الى الغطاء السياسي والحقوقي والاعلامي الذي يرى ان قتل عشرات المدنيين او حتى مئات منهم امر مشروع طالما اشتبه بوجود مقاوم، و اغتيال امين عام المقاومة اللبنانية كان عملا جيدا وضروريا حسب ما قال الرئيس الامريكي ومن يتابع قنوات ذلك المحور العبرية الهوية العربية اللسان يرى مقدار الحقد و الانحياز للباطل. لكن للصورة وجه آخر يتمثل بمن هم على قيد الحياة الحرة والكريمة أن في أمتنا أو في عالمنا العربي أو الإقليم ممن لا زالوا يقبضون على جمر الثوابت القومية والمصالح العليا.

في الضفة الغربية والقدس يعمل الاسرائيلي على محاولة تحقيق انجاز في المسجد الاقصى مستغلا حالة الانشغال عند بعضنا والاهمال والتواطؤ عند بعض آخر فيما الاستيطان يستعر و تزداد شراسة المستوطنين المدعومين من الحكومة التي تطلق يدهم وتسلحهم للاعتداء و مصادرة الارض واحراق المزروعات و قطع الاشجار و ما الى ذلك، و بشكل يترافق مع حالة التجويع و القهر الاقتصادي و الاعتقال و الاغتيال من جانب ثاني، كما حصل في مخيم طولكرم منذ ايام حينما قصف مقهى وقتل زهاء عشرين مواطنا لأنه ظن ان احد المطلوبين لديه موجود في المقهى.

في جبهة لبنان اوجعتنا ضربات العدو المتتالية والتي قد يصيبنا منها المزيد، لكنها لم تفقدنا الثقة ولم تفقد قيادة المقاومة القدرة على الرد وان فرضت عليها اولويات اضافية اضطرت المقاومة لمعالجتها دون ان توقف القتال، ومن يتابع اخبار الجبهة الداخلية في تل ابيب يعرف من هو المذعور والخائف.

انها حرب، وفي الحروب ارباح وخسائر، وكرّ وفرّ، كما ان هناك بطولات فبها اوجاع وآلام، لكن الامور العظيمة تحتاج الى تضحيات عظيمة وقد ترافقها آلام من ذات النوع، مرة اخرى اؤكد انها عض الاصابع.

جنين- فلسطين المحتلة