سنة كاملة مرّت على ذلك الإعجاز التاريخي البطولي الذي نفّذته بنجاح أسطوري مطلق قوات النخبة في حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، ما أدى إلى تهشيم صورة جيش الاحتلال اليهودي وآلاته التدميرية، وتحطيم مكانة أجهزة مخابراته، وإذلال قيادته السياسية، وتعريض كيانه الغاصب لخطر وجودي حقيقي بعد أن كاد يثبت حضوره وتفوقه في محيطنا الإقليمي…
كما حطمت عملية السابع من تشرين الأول الأسطورية كل المستحيلات، وأثبتت أننا بالإرادة الحرة والتصميم والمثابرة والصبر والتعلّم والتدريب والتجهيز والبناء النفسي وتعزيز القدرات وتراكم الإنجازات نستطيع أن نصنع المعجزات في زمن انتشرت فيه ثقافة التخلي والنأي بالنفس تمهيدا لتعميم أوهام التسليم والتطبيع التي تسوّقها العديد من القوى المنهزمة ووسائلها الدعائية المنتشرة في أمتنا وعالمنا العربي…
لقد جاءت تلك العملية الأسطورية لأبطال القسام، خلاصة لتجارب قوى المقاومة في أمتنا وتتويجا لتراكم كم هائل من العمليات الفدائية النوعية وبعضها الاستشهادية التي نفّذها المقاومون على مدى عقود من الصراع المتواصل مع عدونا اليهودي المتوحش والمدعوم بالكامل من كل قوى الاستعمار الغربي وبعض المتواطئين والمتآمرين والعملاء في وطننا وعالمنا العربي…
لقد أتت تلك العملية الأسطورية في السابع من تشرين الأول 2023 في سياق تبلور وتكامل محور المقاومة الممتد من غزة إلى لبنان والشام والعراق واليمن فإيران التي تشكل الرافد والداعم والمدرِّب والمرشِد لكل قوى وفصائل المحور، مع التأكيد على استقلالية كل طرف بما يمنحه هوامش تتيح له الفعل المقاوم وفق ظروف ساحته ومعطيات وفرص جبهته… فنفّذت قيادة المقاومة في غزة تلك العملية الرائدة التي كسرت فيها جبروت العدو وهدّدت ركائز ومقومات وجوده، وسارعت كل قوى محور المقاومة إلى دعم وإسناد جبهة غزة التي تعرضت لأخطر عدوان وأكثره وحشية على المدنيين العزل والأطفال والنساء، فمنعت حالات الإسناد العدو ، من الاستفراد بغزة التي واجهت وما زالت تواجه حرب الإبادة بالمقاومة والصبر والتضحية، كما بِلكْمِ العدو العديد من الضربات الموجعة التي هشّمت جبروته ومنعته من تحقيق أهدافه المعلنة فاكتفى بتحقيق هدفه المضمر بإبادة أهلنا في الأراضي المحتلة.
وها هو العدو يستنسخ حرب الإبادة ويكررها في لبنان مركزا على الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع وكل ما يعتبره بيئة حاضنة للمقاومة في لبنان، فيصبّ نيران حقده على البشر والحجر والشجر انتقاما من هذه البيئة الشريفة الحاضنة للمقاومين الذين لم تتعبهم المرحلة وصعابها بما فيها ما حمله أيلول الأسود من ضربات غادرة كبّدت المقاومة في لبنان الخسائر الهائلة بقوة السلاح الجوي الأميركي الأكثر تطورا وتدميرا فضلا عن تفوقه التكنولوجي، مستفيدا من ثغرات استخبارية وانكشاف وخرق أمني ولوجستي وتقني وفّر فرصا للعدو لتحقيق إنجازات تكتيكية عوّضت عن انهيار منظومته العسكرية والأمنية وجعلته يشعر مجددا بنشوة مرحلية دفعته للكشف مجددا عن أطماعه الحقيقية في بلادنا، معتقدا أنه تلقف فرصة ذهبية لتحقيق أهدافه التوسعية وفرض شروطه على أمتنا واهِما أن محور المقاومة قد هُزِم، وقوى المحور قد انهارت، وإرادة شعبنا قد انكسرت…
لكن سرعان ما حضر وهج تشرين مجددا، حضر تشرين الأحمر ليثأر لأيلول الأسود، تماما كما ثأر أيلول الأحمر عام 1982 من العدو وعطل كل أهداف الغزو يوم نفّذ بطلنا حبيب الشرتوني حكم الشعب بالعميل بشير الجميل الذي كادت توصله دبابات العدو إلى سدة الحكم في لبنان، ويوم اندفع البطل خالد علوان بمسدسه الذي أردى بطلقاته جبروت العدو جثثا على رصيف الويمبي، وتتالت العمليات البطولية وصولا إلى التحرير تلو التحرير.
مع بداية هذا الشهر المبارك بدأت تتكسّر أهداف العدو في مواجهات الجنوب مع الأبطال المقاومين المرابضين على الثغور الذين يلقنون العدو دروسا يومية في القتال والمواجهة، مستعيدين صورة أبطالنا الذين حطّموا مجددا “أسطورة” ما يسمى “الجيش الذي لا يقهر”. وجاءت صواريخ إيران العزة لتؤكد مجددا تكامل محور المقاومة العصي على الكسر، وقد رافقتها عملية يافا الفدائية البطولية ومسيرات المقاومة العراقية وصواريخ اليمن مؤكدين على تلازم المسارات والساحات، متجاوزين الجراح الناجمة عن استشهاد محور المحور سماحة قائد المقاومة السيد حسن نصر الله الذي أثبت قدرة القائد على الاستشهاد الإرادي مع سبق الإصرار…
وتأتي عملية بئر السبع الفدائية البطولية اليوم لتؤكد أن خيار المقاومة امتد إلى الداخل الفلسطيني فيما يسمى أراضي 1948، فبدأ العدو الغاشم يتلقى الضربات من حيث لا يحتسبون، كما وعدهم قائد المقاومة الشهيد السيد حسن نصر الله.