قراءة فكرية لتجربة السيد نصر الله السياسية

قراءة فكرية لتجربة السيد نصر الله السياسية

ما أكثر الكتّاب اليوم عن شخصية السيد ومواهبه القيادية والخطابية وعن حكمته. لذلك ارتأيت عدم التكرار وإجراء اضاءة أولية على النقلة النوعية التي نقل بها السيد “حزب الله “من إرثه الأساسي الى واقعه اليوم.

بين القومية الاجتماعية والحزبية الدينية علاقة متوترة منذ تشكلها. هي دائما في صراع وتماس وتشكل الحزبية الدينية او المذهبية عامل انقسام اجتماعي مانعة الاندماج والتفاعل، فهي في مبدأ تشكلها انقسامية تقف عند حدود الحواجز وتحميها وتعيد صياغتها. اذن ان حالة من عدم التصالح تحتل المشهد العام. بين القومية الاجتماعية والحزبية الدينية اشتباك فكري اجتماعي نفسي دائم، خاصة في المرجعية الفكرية والاجتماعية والاشكال السياسية اشتباكا جديا، بين حركة نزوع نحو الداخل، وحركة نزوع نحو الخارج العام.

ورث السيد حالة تنظيمية فكرية واضحة المعالم والهوية ولها أساستها الفكرية الأيديولوجية الفقهية. هي بالأساس جاءت الى الواقع بقراءاتها المسبقة وآلياتها الجاهزة، فاصطدمت بواقع امتنا اصطداما حادا.  قبل السيد حسن، مرت مرحلة تشكلت فيها هويتها الصحيحة فكانت نموذجا عن الحزبيات الدينية الموجودة المتناحرة مع من حولها، تشكلت من الطائفة الشيعية وتماهت مع هويتها الجزئية الخصوصية، وراحت تصوغ مشروعا سياسيا لها ووجدت في إيران مرجعية ودعما فتشابكت. وتماهت معها. كانت تحتاج لشرعية فكانت المقاومة هي الشرعية المبني ليها. الإرث الثقافي الفكري الاجتماعي. كان عنوانها مشروعها نفسه “الدولة الإسلامية في لبنان. وولاية الفقيه نظريتها الاجتماعية السياسية.

أهمية السيد حسن انه وعى طبيعة المجتمع السوري وتركيبته وتنوعه. هنا كان التحدي: كيف يعيد صياغة المرتكزات الفكرية والخط السياسي والخطاب العام؟ كيف ينتقل من مشروع الدولة الإسلامية الى نموذج آخر، الى دولة الشراكة؟

هذا تحد كبير يطال كل البنية الفكرية. من العقل السلطوي الى العقل التفاعلي؟ المشروع الفكري المتعامل مع الواقع، واعادة توجيه البوصلة.  

بالمقابل كقوميين اجتماعيين كنا نملك رؤيتنا الكاملة الواسعة الشاملة في هذا المضمار، وفيها نرى ان انقساما بين الأساس الاجتماعي والأساس السيادي، بين تيار يكرس انقساما اجتماعيا وبالمقابل يحقق سيادة. هنا عمق الاشتباك. فكان الحزب، قوميين ومؤسسات مع الدور السيادي الرائد الذي يؤديه الحزب دون أي تراجع فكري ولا اعتراف بالمرجعية الدينية. لذلك كانوا مع المقاومة ومع السيد بالعاطفة والشعور قلبا وقالبا وهذه ظاهرة تستدعي الدراسة.

السؤال المهم هو: كيف استطاع السيد حسن فك العزلة عن الحالة الدينية، هذه المقاومة من تشكلها الشيعي الديني المغلق الصرف، الى موضعها الحالي؟

في فترة رئاسته وفي المسار العسكري، يمكن القول ان السيد حقق ثلاث إنجازات ميدانية خاض حرب تموز 2006 والحرب ضد التكفيريين في الشام والمعركة الأخيرة.

في كل المعارك العسكرية كان يخرج منتصرا، ولكن بقيت المعركة الفكرية وتحقيق الإنجازات الفكرية.

استطاع تحويل الحزب الى قوة عسكرية هائلة.

وفي المسار الفكري والسياسي واجه السيد مشكلة الانعزال فكان إعادة صياغة العناوين العامة وصياغة العلاقات وإنتاج خطاب جديد مختلف كليا عن الخطاب القديم، فانتج جملة من التحالفات والتفاهمات السياسية وحّيد حزبه عن النقاشات الجدلية الحادة حول شرعية الطوائف، وتبنى مفهوم الشراكة العامة في الكيان بين المكونات الاجتماعية وهذه نقلة نوعية تسجل للسيد حسن.

كنا امام تقدم جديد ومزيد من الانفتاح والاستيعاب والتسامح، استطاع فيها السيد ان يذلل وان يقيم تعايشا سلميا بين المكونات الاجتماعية. قد تكون في زاوية منها تنازلات لكنها في الوقت نفسه تحولات جدية.

انه مسار طويل كان الدور الأكبر فيه لشخصية القائد ووعيه وسماته الأخلاقية. ركز فيه على المشتركات وأرسى خطاب الانفتاح في وجه خطاب العزلة.. ولا شك ان تجربة الحرب الأخيرة بّينت أهمية البعد العام في المقاومة. فالمقاومة بلا حضانة سياسية واجتماعية ونفسية لا تعيش ولا تصمد. لذلك خطا السيد خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح والخطوة الثانية مطلوبة من تلامذة السيد وهي التحول الى العام.

الأعمال الكبرى عمل كبير يحتاج لكل قوى الامة وهذا هو الاستحقاق الفكري الثاني الذي ينتظر حزب الله بعد الجبهة. هل سيقرأوا واقع التشبيك الاجتماعي الحاصل خاصة في المراحل المصيرية وكيفية التعاطي معه من القاعدة الفكرية الصرف؟ هذا سؤال متروك لخلف السيد حسن.

اذن القومية الاجتماعية قرأت المقاومة في بعدها الاجتماعي والتاريخي والقومي، وكلنا نعلم ان الاحتلال قارب القرن والمقاومة رافقت هذا الوجود الاغتصابي منذ وجوده، من مقاومة مدنية، وأيضا من مقاومات شعبية وأنظمة وأحزاب قومية وعلمانية ودينية وماركسية وجبهوية وإسلامية بأشكال ثقافية اجتماعية اقتصادية وعسكرية، لذلك قدمت آلاف الشهداء ومئات القادة واستمرت، فالمقاومة حلقات متشابكة تنهي حلقة وتبدأ أخرى، لكن المسار واحد. السيد حسن أحد قادة المقاومة وهي زاخرة بالقادة وولّادة. هذه مسألة يجب رؤيتها في سياقها التاريخي. ان السيد هو قائد كبير من قيادات المقاومة التاريخية البطلة، ولن يكون أخيرا.  هذه هي المسألة الرئيسية التي يجب تثبيتها.

ما أردت قوله ان السيد أسس أرضية، تبدأ بتأسيس الثقة والاعتراف بمشروعية قوامها التحرير، ولكن بقيت مسألة المرجعية الدينية في الاجتماعي والسياسي في النص والمؤسسات خاصة رجال الدين. ان المرجعية الوحيدة الشاملة هي المرجعية الاجتماعية ومؤسساتها، لذلك هذا هو التحدي المفصلي الذي يجب مراجعته. لقد استطاع السيد ان يقدم نموذجا متقدما لكن من يضمن للمؤسسات الدينية استكماله؟

كل ذلك لأقول ان السيد كان خطوة لامعة في التخفيف من عزلة المقاومة الإسلامية بشخصه ووعيه وخطابه الموزون، أما ما بقي فهو إزالة العزلة الكاملة وهو تحد ملقى على عاتق تلامذة السيد ومن يخلفه.

وجهة طريق المقاومة الكبرى هو المجتمع الأكبر والبعد القومي، وهذه تحتاج خطوات جدية فتحقق الهدف السامي الذي تسعى اليه. إن  الانفتاح  على  الفكر القومي الاجتماعي يتطلب خطوات يجدر القيام بها.

ستتوقف الجبهة عاجلا ام اجلا لكن التحدي الأكبر على تلامذة السيد حسن وقيادة المقاومة، هو اكمال خط السيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *