قيل الكثير في استشهاد السيد حسن نصر الله، وسيقال أكثر فأكثر خلال الفترة المقبلة. إن ما قيل وما سيقال هو أقل القليل مما تحلى به الأمين العام لحزب الله على مستويات المقاومة والممارسة السياسية والتصرفات المناقبية والوضوح الصادق في تناوله كل القضايا، بما فيها تلك ذات الحساسيات المذهبية والكيانية المعقدة.
غاب “السيد ” في وقت باتت المنطقة، بكل أطرافها وتلوّناتها، تترقب الاطلاع على رؤيته الثاقبة وتحليلاته الدقيقة. والأهم من كل تلك المزايا التي عُرف بها، أصبحت المنطقة بحاجة إلى الصدق في توصيف الحالة التي وصلنا إليها، سواء سلبًا أو إيجابا. حتى أن “مواطني” الدولة الصهيونية كانوا يترقبون ساعة ظهور “السيد” ليقفوا منه على ما تحاول “دولتهم” إخفاءه أو التلاعب بحقائقه.
سنة مرّت على عملية “طوفان الأقصى”، ومعها قرار “محور المقاومة” بالتصدي للعدو الصهيوني كي لا يستفرد بغزة وسكانها، ممعنا في ارتكاب المجازر اليومية. كان التدخل، بالنسبة إلى “السيد”، واجبًا إنسانيًا ودينيًا وقوميًا. فنحن شعب واحد وجسد واحد “إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. أو كما قال سعاده: “إن إنقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم“.
بعد أشهر من المواجهات مع عدو عنصري حقود، لاحت في أفق هذه الجولة الميدانية تطورات مفاجئة. فقد وجدنا أنفسنا في سياق سريالي غريب وغير مفهوم. ولكن علاقة الثقة الراسخة بين “سيد المقاومة” وجمهورها أبقت التساؤلات خبيئة الصدور والعقول إلى ما بعد حسم المعركة! فالجميع مطمئن إلى حصوله على الأجوبة لاحقًا.
…إلى أن فُجعنا برحيل “السيد” رمز المقاومة خلال العقود الثلاثة الماضية. إنه غياب مؤلم ينحرنا كل ثانية. فإضافة إلى الخسارة التي منيت بها الأمة، أقدم بعضهم على نعي مفهوم المقاومة بنعيه الخاص لـ “السيد”. لا يمكن لأي إنسان، مهما علت منزلته المُستحقة، أن يختصر بشخصه كل أبعاد وجودنا القومي.
سيترك “السيد” فراغًا هائلاً، من دون أدنى شك. غير أن الأسئلة التي لم تسمح له الظروف بالإجابة عليها، هي وحدها الفراغ الذي يهدد مصيرنا القومي.
اليوم حزن وتألم وغضب… وغداً التفكير والتدبير.
اليوم أمر… وغداً يوم أمرّ!
البقاء للأمة