بدأ العام الدراسي وبدأت معه المؤسسات اليهودية الكندية بالتدخل مع القطاع التربوي على كافة مستوياته لتشويه التحركات المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة مفتوحة على مدى عام.
بدأ استخدام سياسات الترغيب والترهيب مع وزارة التربية وإدارة الجامعات والثانويات يأخذ بُعداً خطيراً ويساهم في قمع الحريات الأكاديمية الجامعية وتخويف الطلاب في القطاع الثانوي. كما إن غياب مؤسسات عربية فاعلة وناشطة لمواجهة هذا النهج التي تعتمده المؤسسات اليهودية يزيد في عربدتها وإصرارها على لجم الحراك الطلابي واتهامه بالعداء للساميّة. في حين طغت حرب الإبادة التي يقودها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في القطا ع والضفة على ما عداها من أحداث على المستوى العالمي.
السبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى اتساع رقعة الدوائر والمؤسسات الإعلامية من جهة، وإلى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ال social media من جهة أخرى. وذلك خلافاً للمجازر التي ارتكبها الكيان الصهيوني منذ تأسيسه بعيداً عن وسائل الإعلام.
هذا الأمر أدّى إلى الكشف عن الوجه البشع للاحتلال وعن طبيعته الإجرامية المتمثّلة في اقتلاع شعب من أرضه وتجريده من حقوقه المشروعة بشكل يتناقض مع كافة الأعراف والقوانين الدولية وفي مقدمتها اتفاقية جنيڤ الرابعة.
هذه المتغيرات أدّت خلال الشهور المنصرمة إلى حالة استنفار قصوى على المستوى العالمي تمثّلت في عمليات اعتصام داخل الحرم الجامعي، إضافةً إلى حراك نقابي وشعبي وطلابي عارم لم تشهده عواصم العالم منذ حرب فيتنام في أواخر الستينيات من القرن المنصرم.
هذه الظاهرة أثارت قلق ومخاوف اللوبي الصهيوني على المستوى العالمي، حيث بدأت حملة منسّقة مع كافة المؤسسات اليهودية الكندية التي استنفرت كافة أجهزتها وإمكاناتها ومواقعها المتعددة لشنّ حملة شعواء على الذين شاركوا في هذه التحركات وذلك عبر توجيه تهم العداء للساميّة كما صاغها “التحالف العالمي لذكرى الهولوكوست” المعروف باسم ال IHRA، أي “International Holocaust remembrance Alliance ” والذي تبنّته الحكومة الكندية الفدرالية وعدد من حكومات المقاطعات الكندية، إضافةً إلى عدد من وزارات التربية والمجالس التربوية، إضافةً إلى عدد من البلديات، والذي يعتبر أي نقد موجَّه لإسرائيل وسياساتها ومشاريعها يبطّن عداءً للساميّة قد يعرّض أصحابه للملاحقات القانونية.
انطلاقا من هذا المشهد، يقوم عدد من المؤسسات اليهودية متل-B’nai Brith وCIJA وفي طليعتها مؤسسة JEFA Jewish Educators and Family Associations in Canada -بالتواصل مع كافة المرجعيات التربوية وعلى أعلى المستويات في الوزارة ومجالس التربية وإدارات المدارس بحملة منسقة تستهدف إخماد الأصوات المؤيدة والمتعاطفة مع حقوق الشعب الفلسطيني وذلك تحت العناوين التالية:
أوّلاً: منع الطلاب من الاعتصام في الحرم الجامعي أو الخروج في تظاهرات تضامنية.
ثانياً: اتخاذ إجراءات إدارية حاسمة بحقّ الطلاب الذين يحملون إلى المدارس شعارات متل Free Palestine” أو From the river to the see Palestine will be free “وغيرها من شعارات مشابهة، كونها “تثير مخاوف الطلبة اليهود وذويهم وتخلق بيئة معادية للساميّة داخل القطاعات التربوية”.
ثالثا: سحب الخرائط المتواجدة في بعض مكتبات المدارس والتي تحمل اسم فلسطين واستخدام خرائط جغرافية جديدة تشير فقط إلى “إسرائيل”.
رابعاً: اعتبار أي نشاط تضامني طلابي مع القضية الفلسطينية مُسيء للعام الدراسي وأنّه على الطلاب حصر اهتمامهم فقط ببرامجهم المدرسية دون سواها.
هذه العناوين الأربعة انتشرت في حملات منظّمة تقودها الجمعيات المنوّه عنها أعلاه، حيث يُطلب من الأهل توجيهها إلى كافة المسؤولين في القطاعات التربوية في حملات ضغط منظمة وهادفة من أجل ترويع الأراء المخالفة من جهة ومن أجل كمّ الأفواه المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني والمستنكرة لعمليات الإبادة والتهجير والاقتلاع التي يتعرّض لها هذا الشعب.
يبقى أن نشير إلى أنّ غياب مؤسسات عربية فاعلة ومنظمة عن مواجهة هذا النهج من السياسات والتحركات، يخلق فجوة خطيرة في ضرورة مواجهتها ويجعل من مهمّة بعض الناشطين الفلسطينيين والعرب وحلفائهم في القطاعات التربوية عملاً فرديّاً يصعب عليهم تحمّل تبعاته وأكلافه التي تفوق طاقاتهم وإمكاناتهم.