العالم على حافة حرب عالمية، ليس بالضرورة ان تكون صورة طبق الاصل عن الحربين العالميتين السابقتين بقواهما المتحاربة وأسلحتهما. هي حرب ما زال ممكنا تلافيها لأن خواتيمها إذا اندلعت لن تكون كخواتيم سابقتيها، ولن ينجو أحد منها، لا منتصر ولا مهزوم، بالأحرى لن يخرج منها أحد منتصراً، هذا إذا بقي أحد.
الأجواء العالمية ملبدة بسحب كثيفة تنذر بحرب، أو على الأقل، بتحولات تشبه ما يمكن ان ينتج من حرب كبرى. وقلب الحروب الكبرى هو أوروبا ومحيطها، بقية العالم هو مسرح الهزات الارتدادية وساحات رديفة، تماما، كما حصل في الحربين السابقتين وحروب الممالك الاوروبية في العصور الوسطى حتى القرن العشرين، ومحركاتها كانت أوروبية بامتياز: فرنسا وبريطانيا والمانيا وايطاليا واسبانيا والبرتغال وهولندا وبولندا وروسيا وحتى الدنمارك وفنلندا….قبل ان تنضم الولايات المتحدة ، القوة الصاعدة، الى الحرب العالمية الأولى، ثم الى الحرب الثانية وتعجل في حسمها عام 1945 باستخدام القنبلة الذرية الاولى ضد اليابان فارضة عليها الاستسلام.
ثلاثي فرنسا- المانيا- بريطانيا، اقوى الدول الاوروبية تاريخيا وأكثرها خوضا للحروب، يشكل النواة الدائمة للقوة الاوروبية ومركز قرارها. تقاتلت هذه القوى مع الجميع وحاربت على جميع الجبهات، مع بعضها حينا وضد بعضها البعض أحيانا، هزمت وانتصرت ودمرت ثم قامت، تعلمت الكثير من الحروب ودفعت أثمانا غالية…. لكنها بقيت وفية لأفكارها وعقيدتها.
عام 1812 غزا الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت روسيا القيصرية بحجة منع احتلالها بولندا المجاورة لها، كانت هذه الحجة الرسمية، فيما الواقع يشير أيضا الى محاولة منع روسيا من الانفتاح التجاري على بريطانيا لإجبارها على التوجه نحو أوروبا عبر فرنسا وتوقيع صلح معها بشروط فرنسية بعد سلسلة من الحروب بين البلدين خرج منها نابليون مهزوما، خصوصا على شواطئ مصر. وفي الحرب العالمية الثانية غزت جيوش هتلر روسيا التي أصبحت قلب الاتحاد السوفياتي بحجة مهاجمة الشيوعية قبل أن تسيطر على العالم، لتكشف وثائق التاريخ ان كمينا نصبته بريطانيا الشهيرة بأنها بلد الجاسوسية والجواسيس والمؤامرات، ساهم مساهمة كبرى في اتخاذه قرار غزو روسيا لتتخلص الامبراطورية البريطانية من العدوين معا.
تتغير الأسماء وتتقلب المواقف والدول لكن أوروبا تبقى هي نفسها، ومعها أميركا التي تتزعم معسكر الغرب حاليا، وتبقى روسيا “العدو” الدائم، سواء أكانت شيوعية أم ليبيرالية رأسمالية. كل السياسات الغربية تقوم على التخويف من روسيا والتحريض عليها باعتبارها الوحش الذي سيبتلع أوروبا. إذا لم يكن بدءا ببولندا، فبأوكرانيا.
أوروبا التي جهدت بعد الحرب العالمية الثانية على ترويج صورة “مثالية” عن دولها “الديموقراطية” رافعة شعار الحريات الفردية والمبادرات الانسانية وحقوق الانسان، نفضت كل ذلك ورمته في سلة المهملات وها هي من جديد تزج بنفسها في حرب روسيا وأوكرانيا، في اعادة لسيرتها التي ظن العالم وظنت شعوبها انها تخلت عنها لمصلحة الرخاء الانساني والسلام العالمي.
اوروبا الأطلسية لم ترسل جيشها لغزو روسيا، ولم تفعل اوكرانيا ذلك، هذا صحيح، لكن الطرفين عملا على تطويق روسيا بالأحلاف والصواريخ والقواعد العسكرية الأطلسية، فيما يشبه اعلان حرب، ما رد عليه الرئيس الروسي بحرب وقائية، وهو مصطلح غربي تستخدمه اوروبا واميركا وربيبتهما اسرائيل. لكن الأيام سرعان ما كشفت حقيقة الأمر. اميركا وأوروبا تخوضان حرب اوكرانيا بكل قوتهما. ليس الرئيس الاوكراني وجنرالاته من يخوضون الحرب بأسلحة الجيش الاوكراني القديمة، انها الدبابات والصواريخ والطائرات المتدفقة من كل دول الاطلسي الى اوكرانيا التي تقاتل هناك.
تتوسع الحرب في اوكرانيا وتدخل القوات الاوكرانية الى عمق الاراضي الروسية قي كورسك ثم يأتي الهجوم الروسي المعاكس والرد في الجنوب، يهب الغرب كله الى نجدة أوكرانيا والتلويح بتزويدها اسلحة استراتيجية ليرد بوتين بالتهديد بأسلحته الاستراتيجية التي لم تدخل المعركة بعد، فهل نحن أمام مشهد فظيع من فظائع الحرب التي لا يتوانى الغرب عن تغذيتها؟