اثنان واربعون عاماً مرت على اجتياح “دولة العدو الغاصب” لبيروت (اجتياح عام 1982)، في دور متناغم مع ميليشيات الانعزال، آنذاك، وعلى رأسها بشير الجميل، بهدف علني يدعو الى اخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وخدمة مشروع ضمني يأتي ببشير الجميل رئيسا للجمهورية، ثم العمل على جعل لبنان كانتونا ملحقا بدولة الاحتلال على حساب شبابه واطفاله وبيوت اللبنانيين، (ذهب ضحية تلك الحرب 100 ألف) بين شهيد وجريح.
يومذاك تجلت الشراكة المتكاملة بين الأعداء والعملاء، ففيما العدو يقتحم ويتقدم كان دور ميليشيات الانعزال التي تسيطر على خطوط التماس الفاصلة بين البيروتين وكذلك المناطق الأخرى، ان تمنع أي امداد بالماء او رغيف الخبز، لا بل تساند العدو في المعارك حيثما تستطيع، تنفيذا لأوامره، في غرفة عمليات واحدة.
ويصح القول ان بشير جاء رئيسا على ظهر الدبابات “الإسرائيلية ” التي وصلت يومها الى قصر بعبدا، ولكن وقبل ان يقسم يمين الرئاسة أسقطته عملية بطولية، على يد مقاوم بطل هو حبيب الشرتوني، أطاحت به وبمشروعه وأنهت تلك العملية مفاعيل الاجتياح وغيرت وجه التاريخ الذي كان يعد يومها للمنطقة.
الثمن كان غالياً: مجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي بتضامن وتنسيق مع ميليشيا الانعزال، وأدت الى 5000 شهيد معظمهم من الفلسطينيين العزل وبينهم لبنانيون، وأيضًا إلقاء القبض على حبيب والتنكيل به وبأهله. بعدها بقرابة الثمانية أعوام حصل فراره ومن ثمَّ محاكمته غيابيا في عهد الرئيس عون، وكانت المحاكمة التي قصد منها البعض تسجيل بعض المكاسب الداخلية للعهد، ولكنها أدت، فيما أدّت إليه، الى جعل العمالة وجهة نظر، في توقيت كانت سائدة في المنطقة مقولات الاتفاقات الإبراهيمية والدعم الدولي لها والتي كانت طاغية على الأجواء السياسية آنذاك.
اليوم تأتي ذكرى تلك المرحلة وقد مرّعلى الحرب على غزة نحو عام. وقد بات ثابتا ان الحرب القائمة بيننا وبين هذا العدو اليهودي هي حرب وجودية، بتثبيت من قادة العدو، وكما سبق واعتبرها زعيمنا سعاده حيث ظهرت بوضوح اهداف العدو الصهيوني من غزة الى الضفة فجنوب لبنان، كم أن مشاريع الإبادة و”الترانسفير” الجارية ظهرت مليا للعالم اجمع، عبر الاعلام ووسائل التواصل.
نتيجة لكل هذه التطورات، يمكننا القول إن كل معادلات التطبيع مع العدو قد سقطت، وكذلك الاتفاقيات الإبراهيمية وتواعها، فالعالم اليوم بات منقسمًا الى جبهتين لا وسط بينهما؛ محور مقاوم يواجه العدو وداعميه بزخم وقوة وصمود، رغم جرائم الإبادة الجارية، وهو لا يزال يحافظ على “توازن القوة” فيرعب العدو الذي تخاض الحرب على أرضه وصولا الى صفد، ومحور العدو وداعميه من حلف أطلسي قيدومه الولايات المتحدة العربية، أضف إليه دول عربية تخلَّت بالكليّة عن “القضية المركزية” التي طالما تغنّوا بها دفاعًا عن “المقدّسات”.
لا خيار أمام شعبنا اليوم إلا الثقة بالمقاومة، كما وثق بها منذ أربعين عاماً ونيف، عندما تمت عملية حبيب الشرتوني وأسقطت المشروع التآمري. العملية التي سبقها عملية إطلاق صواريخ الغراد، التي اسقطت اهداف عملية “سلامة الجليل”، ثم كانت عملية الويمبي البطولية التي أخرجت المحتل من بيروت ذليلاً خائباً.
إن أي مراجعة قد تحصل اليوم يجب أن تصب في خانة رفض أي خيار لا يساند المقاومة، لأنه لا حياد في الحق، والمواجهة قائمة وكذلك التهويلات من توسيع الحرب، يعني أن لا خيار لأبناء الوطن الواحد الا في توفير الظروف الملائمة للمقاومة التي صدقت بخياراتها، وهي اذ تدفع الثمن غاليا فللوطن الواحد بكل أبنائه “إن ازمنة مليئة بالصعاب تمر على الأمم فلا يكون لها خيار إلا البطولة المؤمنة” والمقاومة وحدها اليوم تصنع التاريخ.
رئيسة التحرير