الاسباب الموجبة لتعديل دستور سعاده ووجهة هذا التعديل – الحلقة الثامنة

الاسباب الموجبة لتعديل دستور سعاده ووجهة هذا التعديل – الحلقة الثامنة

قانون الرتب والوظائف

 رتبة الأمانة ودورها الخطير

نتناول رتبة الأمانة هنا كواحدة من الضمانات للوصول الى سلطة يتمتع أصحابها بالمؤهلات الممتازة التي تكفل أداءً مميزاً وممارسة ممتازة للسلطة، من جهة، وتمنع العبث بها أو استغلالها أو ممارسة أي نوع من أنواع الفساد فيها من جهة أخرى.

لا بد هنا من وضع الأمور في نصابها الصحيح دون تسرّع ودون ردّات فعل طائشة على ما تعرضت له هذه الرتبة وحامليها منذ تأسيس الحزب الى اليوم. لذلك يجب إعطاء هذا الموضوع أهمية قصوى، ويجب معرفة الأمور التالية:

1 – إن رتبة الأمانة لم تنشأ بمرسوم عادي، بل بمرسوم دستوري، أي أنها نُشِرت في الدستور وصارت جزءاً منه، وهذا يعني أنها جزء من الأسس والقواعد التي يقوم عليها نظام الحزب. والمادة الخامسة من هذا الدستور تنص على أن نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب والوظائف، مما يعني أن الرتب هي أساس دستوري وهي من القواعد التي قام عليها نظامنا الجديد.

2 – إن رتبة الأمانة أُنشِئت بمرسوم دستوري يحمل قانوناً (يسنّ القانون التالي…) وهذا معناه البديهي أنها تشريع وأن لها صفة تشريعية، أي تؤهل حاملها لشغل منصب عضو مجلس أعلىكما قال الزعيم للأمين عساف أبو مراد، وليست مجرد مكافأة أو شهادة تقديرية أو فخرية، إنها ليست مجرد “رتبة نضالية” كما يحلو للبعض أن يسميها.

3 – إن الدستور ينص في مادته الرابعة عشرة على أن كل من عيِّن في رتبة أو وظيفة يؤدّي قسماً رسمياً إسمه قسم المسؤولية. وهذا يعني بدون أدنى شك أن الرتبة هي مسؤولية دستورية وليست وساماً تقديرياً، إن صاحب الوسام لا يحمل مسؤولية ولا يؤدي قسماً.

إن شروط الأهلية الواجب توفرها في حاملي رتبة الأمانة، أي الشروط الخمسة الواردة في المرسوم الدستوري عدد 7، قد سمّاها سعاده “صفات ممتازة” وقال إنها تؤهِّل حامليها لتولّي الأعمال والمسؤوليات التي تقتضي وتتطلّب هذه الصفات[1]، وقد سمّاها الأمين الراحل هنري حاماتي[2] “الشروط المؤهِّلة للقيادة”.

4 – سعاده حلّ المجلس الأعلى الذي تشكّل في غيابه لأنه كان فيه أعضاء لا يحملون رتبة الأمانة، مما يؤكد أن هذه الرتبة هي موازية لأعلى وظيفة في الحزب ويجب أن تتوفر شروطها في الأعضاء شاغلي الوظائف المركزية العليا في الدولة القومية الإجتماعية.

في رسالة سعاده لعساف ابي مراد تاريخ 13-8-1937 التي يمنحه فيها رتبة الأمانة، يقول له:

“منحتك رتبة الأمانة التي هي أعلى رتبة في الحزبوهذه الرتبة تؤهل حاملها لأن ينتدب للمهمات الخطيرةوتمهد له لأن يصبح عضواً في المجلس الأعلى.”[3]

وكان سعاده في خطابه المنهاجي الأول سنة 1935 قد أوضح خصائص النظام القومي الإجتماعي الجديد وقال عنه أنه

“يقوم على قواعد حيوية تأخذ الأفراد الى النظام وتفسح أمامهم مجال التطور والنمو على حسب مواهبهم ومؤهلاتهم”[4]

 وما المواهب والمؤهلات إلا الشروط التي تؤهل صاحبها لرتبة موازية وموافقة للوظيفة التي سيشغلها في الحزب.

هذا من ناحية دور رتبة الأمانة في توفير الشروط والضمانات لقيادة صالحة وموثوقة. أمّا عن دورها كضمانة لمنع العبث بالسلطة واستغلال السلطة وممارسة الفساد فيها فقد قال سعاده عن نظامنا الجديد القائم على القواعد الحيوية والمؤهلات- الرتب:

 “إنه النظام الذي لا بد منه لتكييف حياتنا القومية الجديدة ولصون هذه النهضة العجيبة من تدخل العوامل الرجعية التي لا يؤمن جانبها والتي قد تكون خطراً عظيماً يهدد كل حركة تجديدية بالفساد…”.[5]

وهكذا، فإن الصفات الممتازة التي يتحلّى بها عضو المجلس الأعلى والمنصوص عنها في مواد مرسوم- قانون إنشاء رتبة الأمانة، مثل صفات الشجاعة والإخلاص والنزاهة والإيمان الخالص بالعقيدة والنظام، تشكّل ضمانة أكيدة لمنع العبث بالسلطة وإستغلالها وممارسة الفساد فيها.

لذلك كله يتبين لنا أن طريقة الحصول على الرتبة هي شأن ذو أهمية خطيرة جداً، وأي خطأ أو خلل في هذه الطريقة يعرِّض النظام القومي الاجتماعي الجديد لمخاطر وصول غير المؤهلين الى مراكز السلطات العليا، ويضعِف هذه السلطات ويعبث بها وبالحزب وقضيته المقدسة. وسعاده قد اختبر باكراً هذه المخاطر وعانى منها، فها هو يقول لرئيس المجلس الأعلى فخري معلوف في رسالة بعثها اليه في 9-7-1938:

“إن ضربات كثيرة حلّت بنا من جراء بلوغ غير المؤهلين الى المراكز العالية في الحزب”.[6]

أما وقد وصلنا اليوم الى ما وصلنا اليه نتيجة “بلوغ غير المؤهلين الى المراكز العليا في الحزب”، فيجب التفكير في طريقة علمية وعملية صحيحة لتجاوز ما وصلنا إليه وإصلاحه. وبعيدأ عن الإستهانة بأهلية العديد من الأمناء الحاليين الذين يتعرضون عشوائياً للتقريع والانتقاد المجاني الظالم في كثير من الأحيان، فإن التفكير في طريقة الحصول على رتبة الأمانة أو غيرها من الرتب الأدنى منها، وطريقة الوصول الى “قيادة صالحة” في الحزب، يكتسب أهمّية فائقة ويشكل مهمّة مستعجلة وضرورية. وفي هذا المجال أراني أنطلق من المسلمات التالية:

1 – الرتبة هي شهادة بالمؤهلات، وهي كجميع الشهادات تحصّل تحصيلاً وتُكتسَب إكتساباً ولا تُمنح منحاً[7].

2 – الرتبة- الشهادة تُحصّل بالإمتحان وليس بالإنتخاب، وقد قلنا إن الإنتخاب ليس هو الطريقة الصحيحة لإضفاء صفات الأهلية والجدارة ومنحها لأحد. الإنتخاب له وظيفة أخرى غير وظيفة منح الشهادات لمستحقيها، فالشهادات تُحصَّل تحصيلاً بالإمتحان ولا تُمنَح منحاً بالإنتخاب.

3 – إن لجنة منح رتبة الأمانة التي تتألف بالإنتخاب، والتي تتولى منح الرتبة أيضاً بالإنتخاب، يجب إلغاؤها.

فالرتبة- الشهادة لا تمنحها سلطات سياسية منتخَبة، بل مؤسسات ومعاهد وسلطات مدنية علمية أو إقتصادية أو قضائية أو عسكرية مختصة. فلا المجلس الأعلى ولا الرئيس ولا العميد ولا أية لجنة منتخبة غير مختصة لها صلاحية أو حق في منحها. فلو كانت الرتبة هي رتبة فخرية وتقديرية لقبِلنا أن يمنحها رئيس الدولة منحاً، لكنها في هذه الحالة تكون رتبة شرفية فقط وليس لها تبعات ومسؤوليات دستورية. أمّا وإن رتبة الأمانة هي جزء من الدستور وعلى صاحبها تأدية قسم المسؤولية، فهي تبعاً لذلك شهادة تحمل تبعات ومسؤوليات دستورية. إنها ركن من أركان النظام القومي الإجتماعي الجديد ولا يجب الإستهانة بها وبدورها ووظيفتها أبداً.

سعاده كان هو يمنح رتبة الأمانة لمن يرى أنه يستحقها لأن سعاده كان هو مجمَع السلطات ومصدرها، وكان الحزب لا يزال في مرحلة التأسيس ولم يكن الحزب قد استكمل إنشاء كل مؤسساته وكان كثير منها قيد الإنشاء تباعاً، مثل الندوة الثقافية ولجنة النقد العقائدي والمحكمة المركزية وغيرها، حتى أن الدستور نفسه لم يكن قد اكتمل بعد (أنظر المادة الثالثة عشرة). وسعاده كان يعرف الرفقاء ومؤهلاتهم ويحتك بهم باستمرار ويعرف دوافعهم وأخلاقهم ومستوى استعداداتهم وكان تبعاً لذلك يستطيع الحكم في مستوى مؤهلاتهم فيمنحهم بنفسه، أو لا يمنحهم، رتبة الأمانة. أما اليوم وبعد استشهاد سعاده فقد تغيّر المشهد. اليوم يجب أن نتجاوز مبدأ المنح ونعتمد مبدأ التحصيل. يجب علينا أن نبني ما لم يُبن بعد، ودائماً على الأساس الذي وضعه سعاده.


[1]   أنظر المادة الخامسة من مرسوم الزعيم الدستوري عدد 7، قانون إنشاء رتبة الأمانة، في القسم الأول من هذا الكتاب.

[2]   هنري حاماتي، أفكار- تجربة ناقصة، الجزء الثالث، الطبعة الثانية، بيروت 2008.

[3]   الأعمال الكاملة، ج 9، ص 29.

[4]   الأعمال الكاملة، ج 8، ص 19.

[5]  نفس المصدر، ص 18.

[6]   الأعمال الكاملة، ج 9، ص 51.

[7]   هنري حاماتي، أفكار، الجزء الثالث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *