هل عرب أنتم؟

لا أحد يختصر المشهد الرسمي العربي ومن في حكمه من أوساط غير حكومية، كما قصائد الشاعر العراقي الراحل، مظفر النواب، ومنها تساؤلاته الاستنكارية: هل عرب أنتم؟ التي لا يزال صداها يتردد حتى الآن ومع كل كارثة ومحنة تحل بنا.

بدلا من أن يكون عرب المشهد المذكور شركاء للمقاومة في غزة والضفة وعموم الوطن الفلسطيني المحتل ولبنان واليمن والعراق، انزلقوا إلى الحضيض والدرك الأسفل وانقسموا بين التخاذل والتواطؤ والمهانة والخوف وبين تقديم أنفسهم كبديل للمقاومة هنا وهناك.

كما تحول بعضهم إلى وسطاء مع العدو وكأن القضية والدم وضحايا المذابح الصهيونية وحسابات الأمن القومي لا تعنيهم، اللهم إلا إذا شعروا بأن هزيمة العدو أو فشله هزيمة وفشل لهم وتهديد لوجودهم ومصالحهم، وانخرط بعضهم في لعبة الإعلام ومنابر وفضائيات النفط وسفارات الأطلسي، بعضهم بلغة محايدة مزعومة تخفي رغبة كامنة في هزيمة المقاومة، وبعضهم بلغة التشكيك ومساواة المقاومة مع العدو، بل وتحميلها المسؤولية عن الدمار والجرائم الصهيونية ولسان حالهم يدعو إلى الاستكانة خوفا من ثمن الكرامة والشرف والحرية.

بالرغم من تشدق عرب المشهد الرسمي ومن في حكمهم، وحديثهم اليومي عن المؤسسات الدولية والقانون الدولي واللجوء له عوضا عما يسمونه بالتطرف والعنف، إلا أنهم ظلوا دون دول مثل جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية (فنزويلا وكوبا وبوليفيا ونيكاراغوا)، وبلغت بهم الرداءة السياسية ولا تزال وهم يشككون في أهم إنجاز عربي ضد الكيان الصهيوني والذي تمثل في العملية الباهرة التي نفذها حزب الله ضد أخطر مركز استخبارات صهيوني في غاليليوت وقتل فيها رئيس الوحدة يوسي ساريل وعدد من كبار ضباطه.

وكذلك وهم يتساءلون صباح مساء عن رد إيران الذي لا يأتي وإن جاء سيكون محدودا (وفق إعلامهم) ولم يسألوا أنفسهم لماذا ينتظرون الرد من طهران ولم يفكر أحد منهم بالرد على اغتيال هنية ومؤازرة الشعب العربي الفلسطيني في غزة مؤازرة ميدانية، بالضغط العسكري المحدود أو تسهيل تمرير الأسلحة إلى فلسطين المحتلة بدلا من التواطؤ مع العدو.

أيضا، وعندما يتحدثون عن إيران ومشروعها وأذرعتها، أين مشروعهم المستقل وأين هي أذرعتهم من التنظيمات التكفيرية التي اختلقوها مع المخابرات الأطلسية لإزاحة الصراع عن العدو الصهيوني من جهة ولإثارة الفتنة المذهبية والجهوية من جهة أخرى.

لماذا على إيران ومحورها أن تحقق الردع الاستراتيجي والتكتيكي مع العدو وأن تدعم جبهات الإسناد المختلفة مع غزة وشعبها ومقاومتها، أين ترسانات بالمليارات لعواصم وقوى المشهد الرسمي العربي الذين تذكروا العروبة فجأة ضد إيران، وكانوا من أشد الذين قاتلوها عندما كانت عروبة ضد المصالح الأمريكية والصهيونية.

أين هم من عشرات العلاقمة الذين يشبهونهم في خلفياتهم المذهبية والجهوية، ولماذا يسكتون عنهم متأبطين شرا حكاية ابن العلقمي الذي لا يقارن اليوم مع العلاقمة المعاصرين في المشهد العربي الرسمي وأسلافه، من الملك الكامل الأيوبي، ابن شقيق صلاح الدين الذي سلّم القدس للغزو الافرنجي وتحالف معه لتثبيت حكمه، إلى الآخرين الذي تسلحوا بصلح الرملة وحالفوا الغزو المذكور للتفرغ لقتال الزنكيين.

ولم تكن الأزمنة الحديثة أقل سوءا لعرب المشهد الرسمي ومن فيه حكمهم، الذين شاركوا في كل الحصارات الصهيونية والأطلسية والأمريكية الإجرامية التي شهدتها عواصم عربية عديدة في القرن العشرين، من حصار بيروت بعد الاجتياح الصهيوني 1982 إلى حصار بغداد ثم دمشق ثم غزة على مدار عقد كامل.

وليت الأمر اقتصر على الأشكال المعروفة للحصار، بل امتد إلى المشاركة الفعلية فيه إما لتمرير مبادرة قمة فاس الأولى وتعميم كامب ديفيد كما حدث ضد الحركة الوطنية في لبنان وضد سوريا خلال الإرهاب الأصولي في ثمانينات القرن الماضي، وإما في سياق تفكيك الشرق العربي وتحويله إلى شرق إبراهيمي متصهين تحت عنوان الربيع العربي.

ولا ننسى ما فضحته الوثائق البريطانية المفرج عنها من دور لقوى نفطية عربية معروفة في العدوان الصهيوني في حزيران 1976.

إلى ذلك، إذا كان عرب المشهد الرسمي متمسكين بالجامعة العربية ويوظفونها بين الحين والحين لتغطية مشاركاتهم في الحصارات المذكورة، من مشاركة الأطلسي في حصار سوريا وسرقة مقعدها في تلك الجامعة، فأين هم ولا سيما فيما يخص العدوان الصهيوني على غزة، من عشرات الاتفاقيات المشتركة بينهم مثل اتفاقية الدفاع والأمن المشترك.

ومن الغريب هنا أن أسلاف المشهد الرسمي العربي قبل عقود وتحديدا عام 1948 دفعوا قواتهم إلى فلسطين تحت شعار نصرة الشعب الفلسطيني، فيما هم اليوم دون ذلك بكثير، بين وسيط مع العدو أو منافق أو جزء من الماكينة الإعلامية الصهيونية وأكاذيبها.