هيكلهم المزعوم!

يُعرف في كتبهم بهيكل سليمان، وبلغتهم “بيت همقداش”، مع أنه لم ترد أية اشارة إليه في توراة موسى بأسفارها الخمسة، وهي التكوين والخروج، واللاويين، والعدد والتثنية.

أول إشارة إليه كانت بإسم “بيت الرب”، وردت فيما يُسمى أسفار الأنبياء، وعلى وجه التحديد، سفر الملوك الأول، في الإصحاح السادس، الفقرة الثانية، حيث يُشار إلى أن الملك سليمان بنى بيتًا للرب. ولنا أن نلاحظ “الملك سليمان”، وليس النبي سليمان. في المقابل، لم يُذكر في هذا السفر مُطلقًا أين بنى سليمان “بيت الرب” هذا، أو في أية مدينة شيَّده، على الرغم من الاسهاب في وصفه، والإشارة إلى الاستعانة بفنيين مصريين وفينيقيين في بنائه.  

يعتقدون، وبخاصة ذوو الرؤوس الملتاثة بالهوس الديني منهم، أن التاسع من آب هو اليوم الذي شهد تدمير الهيكل، على يد الملك البابلي نبوخذ نصر، عام 586 قبل الميلاد. ومع ذلك لا يوجد كتاب تاريخي واحد، أو مصدر موثوق، يثبت وجود شيء اسمه هيكل سليمان، كما هو شأنهم مع التاريخ وكشوفات العلم الحديث. فقد كشف علم الأرخيولوجيا أن ما كان يُظن وقائع تاريخية في أسفار العهد القديم، لم يكن إلا أساطير، مثل الخروج من مصر، وشق البحر بعصا موسى، وهيكل سليمان. وقد اتضح أنه، أي سليمان، شخصية أسطورية. فعن أي هيكل يهذرون، بعد هذه الكشوفات العلمية فاقعة الوضوح وقاطعة الدلالة؟!

 بخصوص الخروج من مصر، على سبيل المثال لا الحصر، يقول الخبير الاسرائيلي اسرائيل فنكلشتاين بالحرف:”بحثنا في كل حبة رمل في سيناء، ولم نجد أي أثر لما يُسمى خروج بني اسرائيل من مصر، فإما أننا بحثنا في المكان الخطأ، أو نبحث عن خرافة”. كاتب هذه السطور، يرجح الخيار الثاني.

بعد احتلالهم الشطر الشرقي من القدس، سنة 1967، شرعوا بالحفر وشق الأنفاق تحت أسوار جبل بيت المقدس. وامتدت الحفريات تحت المسجد الأقصى وأرضيته الداخلية، وتحت مسجد النساء داخله، في محاولات يائسة للعثور على بقايا الهيكل المزعوم، ولكن دون جدوى.

حتى رؤاهم بخصوص مكان الهيكل، تذهب في أكثر من اتجاه. فهناك من يرى أنه بُني خارج مكان المسجد الأقصى، ورؤية ثانية يعتقد القائلون بها أن هيكلهم تحت قبة الصخرة، وثالثة تقرر أن مكانه تحت الأقصى.

وسواءٌ تعلق الأمر بالهيكل أو بأي شأن يخصهم، في الماضي وفي الحاضر، ومن أي النواحي أتيناه، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أن هؤلاء القوم في مشكلة مع التاريخ بما هو حركة الإنسان على مسرح الجغرافيا. من هنا يمكن فهم أسباب إقامتهم في “غيتوات” خاصة بهم في البلدان التي تواجدوا فيها، والقضاء على أي كيان سياسي لهم شهده التاريخ. بالمناسبة، بعد طوفان السابع من أكتوبر، عادت إلى التداول بكثرة في أوساط التجمع الاستعماري الصهيوني في فلسطين المحتلة. لعنة العقد الثامن. بيان ذلك، أن التاريخ لم يشهد دولة لليهود تجاوزت العقد الثامن في بقائها. وقد انطبق ذلك على مملكة داود وسليمان، وعلى دولة الحشمونائيم، وهما الدولتان الوحيدتان لليهود في التاريخ قبل الكيان الشاذ اللقيط المزروع في فلسطين.

بالعودة إلى الصدد، وتأسيسًا على ما أنف بيانه، فإن هيكلهم المزعوم كذبة اخترعوها وغلفوها كعادتهم بالإدعاءات المزيفة، لتحقيق أهداف سياسية، أولها هدم المسجد الأقصى والمضي قُدُمًا في تهويد فلسطين. ونضيف دليلًا دالًّا إلى ما سبق بهذا الخصوص، مفاده أن كل ما يتعلق بالهيكل كاد يُنسى حتى نفضت الحركة الصهيونية الغبار عنه في القرن التاسع عشر، في سياق البحث عن مزاعم تاريخية لهم في فلسطين!