غـــزّة الــبــاســلــة، تــغــزو الــعــالــم

غـــزّة الــبــاســلــة، تــغــزو الــعــالــم

إنها غزة أيها الناس، ومن يتجرأ أن يكتب بالحرف والحبر عن غزة وبطولات أبنائها.. إنّ غزة هي التي تخطّ بنفسها وعن نفسها صفحات العزّ في كتاب الخلود بدماء أطفالها، وعظمة نسائها، وبسالة رجالها، وشموخ شيوخها وشجاعة مقاوميها.

وماذا يقول الحرف في الشفتين عن غزة، إن ضجـّت دماؤها: أنا. أنا غزة.

إنّها غزة أيّها الناس، وقد شهد العالم عبر تاريخه الغزاة والفاتحين والسفاحين يحتلون ويدمّرون ويقتلون وينهبون ويرتكبون المجازر ولمخازي.. أما غزة اليوم، كما بالأمس، فهي تغزو العالم بوقفات العزّ، بملاحم البطولات.. وترسم ما بعد غزة أرقى معاني العزة والبسالة والكرامة.

 غزة تحمل صليب ابنها الناصري، ولكنها عصية على الصلب، قاهرة الموت بالحياة.. تسير على طريق الجلجلة متزلزله الأرض، ملتحمة بالقيامة متربعة على عرش الانتصار.. إنّها غزة يسوع الناصري تدمّر هيكل اليهود على رؤوسهم العاهرة الفاجرة القاتلة.. وتثبت، كما في كلّ مرّة، أنّها تستشهد وتبعث في اليوم الثالث؛ جبارة، عملاقة، ثائرة، مقاومة ومنتصرة.

غزة المظلومة المنصورة لا تصيح، ولا تولول ولا تنتحب ولا تحزن، إنّها في عرس الشهادة والنصر على الدوام، تفتخر بشهدائها وتعتز، وبهم تفرح، وعليهم تنثر الورود وشقائق النعمان، والرياحين والياسمين، وتكلّل جباههم بالغار وأغصان الزيتون، وعلى طريق أبطالها تعبر أجيالها، فهم طلائع انتصاراتها الكبرى في هذا الوجود.

 بالثالوث تتمجّد؛ دمرّها اليهود مرة ومرتين وثلاث.. بالحقد وبكلّ أسلحة الدمار الشامل، وكلّ ذنبها أنها لا تساوم، تقاوم لتحي فلسطين.

غزة ستبقى، الشاهد الحيّ لأجيال هذه الأمة وأحرار العالم على”دولة” الارهارب والعنصرية والقتل الجماعي والجرائم المنظمة الموصوفة.

إنّها هي غزة وأخواتها كما دير ياسين وأخواتها وصبرا وشاتيلا وأخواتها، وقانا وأخواتها علامات سوداء في جبين الأنظمة الموبؤة باللوثة اليهودية من بربر العرب إلى تتار الغرب.

إنّها هي غزة وأخواتها المثال في الصبر والمقاومة والفداء والنصر، وسيكون لانتصارها هذه المرّة ارتدادات تمتد إلى ما بعد بعد غزة.. ومن يعش يرَ.. كلّ مدينة وقرية ودسكرة من أرض فلسطين ستنتفض وتنفجر في وجه الكيان اليهودي العنكبوتي الواهي، وسيلوح من شظايا دماء الشهداء والمظلومين والصابرين والأسرى فجر جديد.. فيه ينتصر الحق على الباطل، ويسحق الخير الشرّ سحقا.. وستكون غزة صورة فلسطين المنتصرة من البحر إلى النهر في رحاب هذا الوطن الخصيب.

إنّها غزة أيها اليهود، يا قتلة الأطفال من المدينة المقدسة إلى قانا إلى غزة، يا قتلة الأنبياء والرسل والقديسين، تذكّروا ما كان مصيركم في حرب تموز المجيدة، لن تتمكنوا من هزيمة شعبنا لا في فلسطين ولا في لبنان ولا في أي بقعة من هذا الوطن، إنّ “نبوخذ نصر على الأبواب” والسبي الجديد في انتظاركم، وإلى قبور التاريخ ومزابله مصيركم الأسود، يا حثالة الشرّ في العالم. أنتم لستم شعب “الله المختار” كما تدعون، بل شعب الشيطان المختار، “أنتم من أب هو أبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا” كما قال عنكم السيد المسيح.. “واستحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان إلا أنّ حزب الشيطان هم الخاسرون” كما جاء في “سورة النساء” القرآنية. ولأمثالكم أيها القتلة تعدّ نيران المحارق، وإذا كنتم قد نجوتم من “محرقة النازية” التي أوقدتموها بأيديكم، لغاية في نفوسكم، صارت معروفة، فإنّ أرضنا ستلتهمكم بنيرانها، وستكون لكم فيها المحرقة الكبرى والمقبرة الكبرى واللعنة الكبرى التي ستمحو وجودكم وأثركم من هذا الكون الذي لوثتموه عبر التاريخ، وفي كلّ مكان حللتم فيه بانحرافكم عن معاني الرحمة والخير والمحبة..

إنّها غزة تقاوم وتجاهد وتستشهد وتنتفض وتنبعث من جديد كما طائر الفينيق.. إنّها غزة المخرز الذي سيغرز في عيونكم وقلوبكم وموت المجرمين تموتون.. وما يقبض الله نفسا من نفوسكم إلا وفي يده من نتنها عود!

إنّها لمنتصرة حتما. غزة، لك الحياة والحرية والعزة.. إنّها غزة التي ستغزو التاريخ بدماء أطفالها الزكية، وشجاعة نساءها المجاهدات الصابرات، وبوقفات عز رجالها العمالقة، وبطولاتهم التي عزّ نظيرها.. وأنت يا “اسرائيل” إلى موت وزوال قريب ومحتم.

غزة أنوار آذار تباركك فخرا، وانتصارات تشرين تكلّلك غارا ودماء تمّوز تحييك عزا.

كلّ الوعود من بلفور وكامب دايفد واوسلو ووداي عربة إلى الأعراب الزحفطونيين المطبعين باطلا، المطبوعين باللؤم والغدر والخيانة، هؤلأ الأعرب :”الأشد كفرا ونفاقا”، كما ورد في سورة التوبة، تُسحق اليوم رؤوسهم تحت نعال أبطالك العمالقة  وأطفالك الرجال، وتحت أقدام الأمهات  المريميات الأسطوريات ــ أمهات بلادي اللواتي أنجبن القادة والأبطال والمقاومين والشهداء والاستشهاديين  الذين أعادوا إلى هذه الأمة كرامتها وشرفها وحريتها بصبرهم ودمائهم وتضحياتهم وساهموا في تغييّر وجه التاريخ، باتجاه القمم والمنارات التي ستقتدي بنورها وعزتها الأجيال القادمة التي ستنهض بهذه الأمة نحو النصر العظيم الذي لا مفرّ منه نحو المجد والخلود .

إلى أمهات أمتي اللواتي حملن في بطونهن أبناء الحياة صُنّاع مجد هذه الأمة.

إلى أمهات أمتي اللواتي أنجبن الرجال والنساء الذين علّموا وعملوا لخير البشرية.

إلى أمهات أمتي اللواتي أنشأن أطفالا، أشبالا أسودا يسجلون وقفات العزّ في ساحات العطاء والفداء.

إلى أمهات أمتي في العراق اللواتي دمّرن حصار البرابرة (في عهد البوشين) بأطفال واجهوا وهج نور الشمس، وعصف رياح الموت: شهداء.

إلى أمهات أمتي في لبنان اللواتي زرعن مع أشتال التبغ، اشبال مقاومة، وعصرن مع خمرة العنب دم مقاومة، ومع الزيت المقدس أعراس مقاومة.

إلى أمهات أمتي في الشام اللواتي هزمن الدواعش ومشغليهم بالصبر واللحم الحيّ والتشرّد والمعاناة ووقفات العزّ.

إلى أمهات أمتي في نجمة الهلال (قبرص) جزيرة الحبّ والجمال، وعرش عشتروت، اللواتي يرزحن، منذ زمن، تحت نير الظلم العثماني الذي دمّر كلّ مراتع جمال هذه النجمة ومرابع الطفولة البريئة فيها.

إلى أمهات أمتي في فلسطين، اللواتي أرهقن العدوّ بفلذات أكبادهن، الذين أسقطوا خديعة الجيش الإرهابي الإجرامي الذي لا يقهر.. فأذلوه وقهروه ومرغوا وجوه قادته بنعالهن.

وإلى أمهات أمتي في فلسطين من بيت لحم حيث ارتكب اليهود أفظع مجزرة في التاريخ بذبحهم أكثر من أربعة عشر ألفا (14000) من الأطفال الرضع دون السنتين من العمر، لعلّ يسوع الناصري يكون بينهم، ولكنهم خسئوا.. أطفال بيت لحم فدوا المسيح بنفوسهم، ليحيا المسيح وينتقم لهم من المجرمين القتلة. من بيت لحم إلى غزة، مرورا بمذابح لا تعد ولا تحصى، حيث التاريخ يعيد نفسه، والقتلة هم هم، ولكنّ مجزرة أطفال غزة، الــيــوم، أبشع وأكبر وأوسخ وأقذر من قلوبهم المائتة الكريهة المتعفنة.. القتلة كلّهم كانوا هناك: اليهود كانوا هناك وبعض “العرب”، كان هناك، وأحفاد سايكس وبيكو وبلفور كانوا هناك، ومجرمو واشنطن كانوا هناك.. حضروا جميعا “الحفل الساهر الكبير” حضروا المجزرة بدمّ بارد، صفقوا، احتسوا الخمرة، عربدوا، مارسوا الفحشاء، رقصوا فوق الجثث الطرية التي نبضاتها ما زالت تخفق، وجراحها تنزف وعيونها تدمع وقلوبها تدمى.

أمهات أمتي، أنتنّ اللواتي ستولدن أجيالا جديدة يتكاثرنا كتراب أرضنا المقدسة وينتقمنا من أعداء الله والانسان والقيم، وكلّ معناه: ربّ صن بلادي عزيزة مكرّمة، أبيّة وحرّة، مطهّرة من هذا الطاعون الأسود “شعب الشيطان المختار”.

من الأم السورية الكبرى عشتار الجمال والتضحية إلى سيدة الكون العذراء مريم، إلى أمهات بلادي: أنتن ملكوت الله على هذه الأرض المقدسة.

  • “الحفل الساهر الكبير ” هو العنوان الثانوي لكتاب “الصهيونية والشعوب الشهيدة”، تأليف بيير هابيس، ترجمة مفيد وادوار عرنوق.

يوثق الكتاب الأعمال الإرهابية اليهودية خلال الحربين العالميتين 1914 و1939 ضد الشعوب التي استضافتهم. وهو كتاب جدير بالدرس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *