استمرأت أميركا لعبة شراء الوقت، كي يمعن الكيان الصهيوني الشاذ اللقيط بارتكاب المجازر في فلسطين المحتلة بعامة، وفي غزة بشكل خاص. ولم تعد أميركا بحاجة إلى إخفاء قباحاتها في هذا الجانب، بوصول الهوان الرسمي العربي حدودًا نشك بأنها مسبوقة. فقد أعربت أميركا، قبل أيام قليلة، عن تفاؤلها بمحادثات الدوحة، بشأن ما تسميه “وقف إطلاق النار في غزة”. وفي المقابل، يوافق “راعي السلام الأميركي” على بيع الكيان أسلحة بحوالي عشرين مليار دولار. ولو استبدلنا بكلمة بيع مَنْح، فإن الثانية للحقيقة أقرب. تروم أميركا وغربها الأطلسي تحقيق أهداف عدة من سياساتهما المنحازة للباطل الصهيوني، أخطرها بالنسبة لنا فرض الكيان على العرب بقوة السلاح. لماذا؟! الإجابة تعيدنا إلى أساسيات الصراع، وحقيقة الكيان.
بدأ آباءُ الصهيونية المتنفذون في بريطانيا تحركاتهم، مطلع القرن السابق، لتعبيد الطريق أمام المشروع الصهيوني كي يحقق هدفه الرئيس، أي زرع الكيان في فلسطين. وسيعلم القارئ العزيز لماذا استخدما تعبير “زرع”، بعد قليل. ومن بين هؤلاء، والتر دي روتشيلد وبروفيسور الكيمياء حاييم وايزمن وهربرت صموئيل. وقد كان التمهيد لذلك عبر وسائل عدة، منها تقديم وثيقة سرية لمجلس الوزراء البريطاني آنذاك، كتبها هربرت صموئيل، الذي لم يكن من قبيل الصدفة اختياره أول مندوب سامٍ على فلسطين (1920-1925)، بعد أن احتلها الإنجليز. وقد جاء في الرسالة بالحرف: “الحاضر غير مناسب لإنشاء دولة يهودية، لذا يجب وضع فلسطين تحت السيطرة البريطانية، لتقديم تسهيلات للمنظمات اليهودية لإقامة المستعمرات وتنظيم الهجرة. وعلينا أن نزرع (لاحظ تعبير نزرع) بين المحمديين من ثلاثة إلى أربعة ملايين يهودي يُحضَرُوا من أوروبا”. في هذا النص تحددت السمات الرئيسة للكيان المُفَكَّر بزراعته في فلسطين: لقيط شاذ استعماري احلالي. يوظف الدين في خدمة المشروع الصهيوني، وهذا ما يوحي به استخدام تعبير المحمديين. أثبت الكيان، خلال ستة وسبعين سنة، هي عمره غير المديد، مدى دقة سماته المذكورة توًّا. وقد برعت الصهيونية، في تحويل اليهودية من ديانة إلى جماعة اثنية معتدية ذات نزوع إجرامي.
مقول القول، التقت مصالح الدول الاستعمارية الغربية، مطلع القرن الفارط، مع هدف المشروع الصهيوني في زرع الكيان في فلسطين. لكن للكيان ورعاته أهدافًا تتعدى فلسطين، إلى الهيمنة على المنطقة العربية واستعباد شعوبها ونهب ثرواتها. ولا سبيل لتحقيق ذلك، إلا بإضعاف العرب وحراسة تخلفهم بإثارة الصراعات المذهبية والطائفية والاثنية والجهوية في أوطانهم، فضلًا عن افتعال الحروب والقلاقل والاضطرابات. قوة العدو إذن، بضعفنا، وتقدمه بتخلفنا، وتماسك جبهته الداخلية بتشرذمنا وانقساماتنا. وكلما غرقنا في واقع التخلف والتجزئة البئيس، يتمكن العدو أكثر ويفرض هيمنته في المنطقة وتزداد قناعة أميركا وغربها الأطلسي بضرورة استمرار انحيازهم الأعمى لسياساته.
الكيان في أحد أبشع وجوهه، بحكم نشأته الشاذة أيضًا، قاعدة عسكرية في منطقتنا لحماية مصالح النظام الرأسمالي الجشع وخدمة سياساته العدوانية ضد شعوب المنطقة والعالم كله. وعليه، فمن الظلم ترك الشعب الفلسطيني وحده في المواجهة مع الكيان الشاذ اللقيط. فالمعركة معه، شأن يخص العرب وشرفاء العالم وأحراره.
تأسيسًا على ما تقدم وانطلاقًا منه، فإن كيانًا على هذه الشاكلة، لا يترك للعرب بالذات في التعامل معه سوى خيارين، الاستسلام أو المقاومة. الثانية في الجانب الصحيح من التاريخ، إذ لا مستقبل لأمتنا كي تعود إلى التاريخ وتأخذ دورها في مسار الحضارة الإنسانية، إلا بتفكيك الكيان الشاذ اللقيط، وزواله.