من جديد تقوم الإمبريالية بحركتها المعتادة لشق الصفوف عبر إثارتها لخصوصية المكونات التاريخية في هذا المشرق. للامس القريب كانت الوهابية حصان طروادة الذي من خلاله استطاعت اجهاض اي تقارب عربي عربي منذ عبد الناصر للأحداث السورية. النظرة الفاحصة لمجريات الأمور تمكننا من فهم ما ترنو اليه كما وتعطينا فرصة ذهبية لوضع استراتيجية مستقبلية ليس للمشرق فحسب، بل وللعالم العربي ككل.
ليست المرة الاولى التي يتم افشال مخططات الغرب الاستعماري من قبل شعب هذا المشرق ففي بداية القرن الماضي تم اجهاض محاولة التفتيت بعد رفض الدروز والعلويين مشروع الدول المذهبية.
بالطبع لم يكن الجميع بذات مستوى الوعي المطلوب للتخلص من الاستعمار الجديد الذي تمثل بالانتداب لان الحلم بالحرية جراء افعال خلافة الآستانة كان يقلق اغلب المكونات وكان الغرب يحمل تلك الشعلة بعرف البعض، لكن مع زرع الكيان الصهيوني واستغلال المكون اليهودي لوضع اليد على مقدرات المنطقة ظهرت انياب الغرب ليتبين ان ما يسعى اليه ليس عملية تحرير وتمدين، بل تمزيق وتفتيت لتسهيل عملية النهب المستدام.
التخبط الغربي وصل إلى ذروته مع فشل الربيع المزعوم والفتن التي نسجت خطوطها تتقطع واحدة تلو الأخرى وتحميل إيران حيناً وتركيا احياناً اخرى للفواجع التي تلاحقنا ما هو إلا لذر الرماد في العيون. لدى الدول مصالح عليها ان تسعى اليها اضافة إلى حماية سيادتها وإبقاء مجتمعاتها في حالة تماسك. يمكن القول في هذا الصدد ان المقاومة رغم محمولها الأيديولوجي المتباين أظهرت وعياً لا يمتلكه اصحاب المشاريع السياسية المؤد لجة، وقامت بتقطيع خيوط الفتن بالصبر الاستراتيجي وقد شهدنا آخر فصول التقطيع مع احداث مجدل شمس.
في غزة أظهرت المقاومة محمولها الانساني رغم ما لحق بأخواتها من اهل السنة والجماعة او ما قيل انهم مجاهدين من اعمال لا يقرها عقل ولا منطق من تورا بورا إلى الشمال السوري لان هؤلاء كانوا يعملون بإمرة الغرب الساعي إلى تقويض كل عمل جهادي ونضالي او حتى استقلالي. كما أظهرت للعالم ان جهادها ليس لفناء الاخر الذي يحمل فكراً مغاير، انما جهاد لإنهاء الاحتلال واسترداد الحق وبذلك ربحت رأياً عاماً دولياً وصل به الأمر لملاحقة نتنياهو حتى في غرفة نومه خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.
ماذا عن الفرصة؟ الطوفان الغزاوي يشبه طوفان نوح بعملية إنقاذ البشرية بعد الاستعباد والاستغلال والاستكبار الذي طال أمده منذ اكتشاف العالم الجديد. فقد تبين للعالم ان المشروع الصهيوني لا يستهدف فلسطين او المنطقة كونها غنية بالنفط، بل يحاول جعل العالم كالخاتم في إصبعه عدا عن إثارته للفتن والقلاقل وتزوير العملة من خلال دولاره بالقوة والغطرسة فانه ايضا ينشر الاوبئة والجراثيم على سطح البسيطة ويؤخر كل التدابير لمواجهة احوال البيئة ليضمن الربح الاكبر لاستثماراته الملوثة كما ويحاول عرقلة كل امة تحاول النهوض لتصنع عالم أفضل كما حال الصين وغيرها.
لدينا الارض والديمغرافية والثروة وأطلقنا للعالم ثورات روحية ومادية تجنى ثمارها كل يوم، كل ما علينا هو وقف الاستعلاء بأننا خير من تسعى له قدم والبحث عن المشتركات التي تمكننا من اخذ دورنا في عالم يعاد صياغته واي تكاسل وتنافس ديكي على الزعامة يبقينا حيث نحن ويبقي الاخر متربصاً باحثاً عن فتنة جديدة.