الاسباب الموجبة لتعديل دستور سعاده ووجهة هذا التعديل

الاسباب الموجبة لتعديل دستور سعاده ووجهة هذا التعديل

الحلقة الثانية

 ما يجب وما لا يجب تعديله

أولاً: ما الذي يجب تعديله.

إن دستور سعاده امتاز بأن الإشارة الى تعديله قد وردت في صلبه في النسخة الأولى منه التي وضعها سعاده سنة 1937، لقد وردت في المادة العاشرة من مواد الدستور، أي قبل المراسيم الدستورية. وقد نصت تلك المادة أن إحدى مهام المجلس الأعلى هي “تعديل الدستور الحالي”. و”الدستور الحالي”، أي دستور 1937، كان الزعيم قد عدّل فيه فعلياً سنة 1947 عندما عدّل في حدود الوطن السوري الواردة في المادة الثانية منه، وأيضاً في صيغة المبدأ الأساسي السادس وفي أسم الحزب. فعل الزعيم ذلك بعد عودته من الأرجنتين سنة 1947 من دون الحاجة لاجتماع المجلس الأعلى صاحب الصلاحية المبدئية في هذا الأمر حسب نص المادة العاشرة، لأن الزعيم كان قد حلّ هذا المجلس بسبب عدم دستوريته الناتجة عن أن أعضاء فيه لم يكونوا أمناء، وأيضاً بسبب أن الزعيم كان هو، دستورياً، مصدر السلطة التشريعية المنوط بها تعديل الدستور.

ولا يخفى أن دستور 1937 كما دستور 1947 هو دستور المرحلة التأسيسية التي تمتد على مدى حياة سعاده المادية حسب ما هو وارد في مقدمته. والمراحل التأسيسية في دساتير العالم كلها تتضمن مواداً مؤقتة واستثنائية يجب تعديلها فور انتهاء المرحلة التأسيسية. إن عبارة “تعديل الدستور الحالي” في المادة العاشرة هي تأكيد على ما نقول.

إن أول ما كان يجب تعديله بعد 8 تموز 1949 هو المادة الرابعة التي تنص على مصدر السلطات. فمصدر السلطات، الذي يكون في المرحلة التأسيسية للمؤسس (أو للمؤسسين)، يجب أن يعدّل ليصبح للشعب كله انسجاماً مع المبدأ الديمقراطي الذي قال به سعاده وأكد عليه مراراً في كتابه العلمي نشوء الأمم كما في العديد من مقالاته وخطبه ورسائله.

والمبدأ الديمقراطي يعني أن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات كلها، ولا معنى للديمقراطية خارج هذا المبدأ الذي يُجمِع عليه العالم كله. وسعاده لم يشذّ عن هذا المعنى للديمقراطية أبداً، فها هو يقول:

“إن الديمقراطية من حيث أنها تعني أن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة هي أساس ثابت لا يزعزعه شيء”.

تِبعاً لذلك، إن المادة الرابعة تلك يجب تعديلها لتصبح: “القوميون الاجتماعيون هم مصدر السلطات”.

قد يكون ذلك بديهياً لدى الكثيرين اليوم، ولكننا نعيد تأكيده لأن البعض من الرفقاء لا زالوا يقولون بأن الزعيم يبقى مصدراً للسلطات حتى بعد استشهاده. إن هذا القول هو قول عاطفي وغير واقعي، فالسلطات لا يمكنها عملياُ أن تنبثق من شخص أو مجموعة أشخاص ليسوا على قيد الحياة، أي غير موجودين عملياً. إن بعض الرفقاء يقول إن سعاده صحيح أنه استشهد واستشهاده كان “مانع طبيعي دائم حال دون ممارسة الزعيم سلطاته” ولكنه لا زال حياً بيننا وروحه يجب أن تبقى توجهنا…الخ. نقول إن هذا كله يعبّر عن إيمان بسعاده وإخلاص له ولتراثه، ولكن لا يمكن ترجمته سلطة فعلية وعملية. فمصدر السلطة هو الهيئة التي تقول كلمتها في اختيار أصحاب السلطة، وهذه الهيئة يجب أن تكون موجودة مادّياً وعملياً، وسعاده نفسه في مقدمة الدستور قال إنه كطرف أول في التعاقد الذي تأسس الحزب بموجبه، يكون زعيماً للحزب مدى حياته، فقط، وليس بعدها أيضاً.

إن قولنا اليوم بأن القوميين الاجتماعيين هم مصدر السلطة لا يستند الى نصّ صريح من دستور سعاده، بل يستند الى العقيدة نفسها والى تصريحات وكتابات كثيرة متفرقة لسعاده لعل أوضحها هو قوله الآنف الذكر “إن الديمقراطية من حيث إنها تعني أن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطة هي أساس ثابت لا يزعزعه شيء”. وأيضاً قوله لمنفذ عام سان باولو البرازيل:

“أن امتياز الحكم الفردي في الدستور هو فقط لصاحب الرسالة ومؤسس القضية وليس نظاماً أساسياً دائماً.  والاتجاه الديمقراطي في نظامه صريح لا يرفضه عقل صحيح”.

وإن ما يجب تعديله في دستور المرحلة التأسيسية أيضاً هو المادة الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة، أي جميع المواد المتعلقة بسلطة الزعيم خلال وجوده المادي والعملي على رأس الحزب، هذه السلطة التي كانت قائمة “مدى حياته” والتي انقطعت بعدها. والتعديل يجب أن يلحظ صاحب السلطة البديل عن الزعيم، وهو بالتحديد المجلس الأعلى كسلطة تشريعية ورئيس الحزب كسلطة تنفيذية. نقول إن هذه المواد يجب أن تعدَّل، ولا نقول إنها يجب أن تلغى، لأنها تتضمن أساساً يجب حفظه والبناء عليه.

السلطة شيء ومصدر السلطة شيء آخر:

إن ما يجب تعديله في هذا المجال إذاً يجب أن يتناول شيئين إثنين هما: مصدر السلطة من جهة وأصحاب السلطة نفسها من جهة أخرى. ولا يجب الخلط بين هذين الشيئين المختلفين كثيراً، وأهم اختلاف هو أن السلطة ليست، ولا يجب أن تكون، متاحة للجميع، بل للمؤهلين لها فقط. إن أهم فكرة في الديمقراطية التعبيرية التي جاء بها سعاده هي أن أصحاب السلطة يجب أن يتمتعوا بمؤهلات عالية. أمّا مصدر السلطة، أي الذين ينتخبون أصحاب السلطة، فمتاح للجميع ولا يحتاج لمؤهلات. وهذه مسألة دقيقة تلتبس على الكثيرين وسنتوسع بشرحها وتوضيحها في سياق هذه الدراسة.

وما يجب تعديله أيضاً هو جميع مراسيم الزعيم الدستورية السبعة، للسبب عينه، وسيجيئ شرح ذلك بعد قليل. وكل هذه التعديلات يجب أن تلتزم العقيدة “والنظام الجديد” وفلسفتهما ونظرتهما الى الحياة.

ثانياً: ما لا يجب ولا يجوز تعديله.

ما لا يجوز تعديله هو مقدمة الدستور لأن هذه المقدمة تتكلم أولاً عن كيفية تأسيس الحزب، وهذه الكيفية هي حدث تاريخي حصل وتمّ ولم يعد من الممكن تغييره أو تعديله.

ومقدمة الدستور تتضمن أيضاً الأساس الذي نشأ عليه الحزب، إنها فلسفة نشوء الحزب وهي تبقى صالحة دائماً حتى ولو بعد ألف سنة من استشهاد الزعيم. إنها فلسفة التعاقد الفردي التتابعي مع صاحب الدعوة، وصاحب الدعوة يبقى صاحباً للدعوة في حياته وبعد مماته. فالتعاقد الفردي معه يستمر بعد استشهاده، تماماً كما كان يحدث قبل استشهاده في حضوره كما في غيابه، أي أن العضو كان يقسم يمين الانتماء الى الحزب بحضور سعاده وجاهياً أو من غير حضوره وجاهياً، وفي الحالتين كان يتعاقد معه كصاحب للدعوة.

إن هذا التعاقد يتضمن التزامين أو تعهدين: الأول أن سعاده صاحب الدعوة يكون زعيماً للحزب مدى حياته، والثاني أن القوميين هم أعضاء في الحزب يدافعون عن قضيته ويؤيدون الزعيم تأييدا مطلقاً في كل تشريعاته وإدارته الدستورية.

الالتزام والتعهد الأول قد تمّ وبديهي أنه لا يمكن تعديله بعد أن تمّ. وعن التعهد أو الالتزام الثاني فدفاع القوميين عن قضية الحزب التي هي مبادئه وغايته هو دفاع ثابت لا يتغير ولا يتعدّل. أما تأييد سلطة الزعيم، وإن انقطعت سلطته بعد غيابه سنة 1949، فهو حقيقة تاريخية تأسس عليها الحزب وهذه الحقيقة، كونها تاريخية، لا تتغير ويجب أن تبقى تاريخاً لا يمحى. أما الآن، وفي ما يختص بالرفقاء الجدد الذين انتموا بعد استشهاد سعاده فيجب أن يعرفوا كيف تأسس الحزب، أي يجب أن تبقى المقدمة تنص على تأييد سلطة الزعيم كي يعرف الأعضاء الجدد كيف تأسس الحزب. هذا من جهة، ومن جهة ثانية يجب أن يستمر تأييدهم لكل ما أسس وشرّع الزعيم قبل استشهاده، وهو العقيدة والنظام الجديد.