في اسوأ حدثين يحتلان المشهد، يجري فيهما انتهاك للوجدان الإنساني العام، والوجدان الإنساني في عمقه قيمة عليا، تلامس مشاعر الانسان الذي ارتقى مرتبة.
الانتهاك الأقسى هو مشهد إبادة كاملة في غزة وحولها، بدم بارد، ومشاعر ميتة، وعيون مغمضة، وآذان مقفلة، ومباركة وقحة، أمام آلة الموت الفاجرة بأسلحة “الحضارة” نفسها. مشهد شعب داخل أطول جلسة تعذيب تجاوزت الثمانين عاما، بلا مأوى ولا مأكل ولا أي حيّز من مقومات حياة الحيوانات حتى التي سنوا لها تشريعاً، مقاتلا بلحمه الحي ورادته وعنفوانه دفاعا عن كرامته وحقه في العيش بكرامة على أرضه. هو معاقب لأنه خالف إرادة المحتل المختل. و يتلون في هذه الجلسة ترانيم وابتهالات كأننا في طقس أضحية بشرية حين كان الانسان في طوره المتوحش حيث اعتادت انوفهم رائحة الشواء. والمشهد الثاني في حفل إطلاق مونديال الالعاب الأولمبية 2024، وهو طلة حفنة من الشاذين الساقطين المخالفين للطبيعة البشرية يحتلون دور المسيح وتلامذته في عشائه الأخير قبل ان يسلم لليهود كي يصلبوه مشهد مقزز مستفز منحط، يعكس حجم الخواء الغربي الكامل الأخلاقي والنفسي والروحي، ومأزق مفاهيمه ومصطلحاته ونظرياته وتعاليمه وخطابه وموروثه الفكري الاستشراقي المنتهي الصلاحية، من ديمقراطية، وحقوق انسان، وحقوق طفل، وحق تقرير المصير وأمم متحدة وعدالة دولية.
إن المسيحية كموروث ثقافي سوري أخلاقي قيمي، نتج بالأساس من الاصطدام الفعلي بين النفسية السورية الأخلاقية المناقبية الإنسانية، وبين النزعة اليهودية المغلقة العنصرية المتحجرة العدوانية المنحطة. إن المسيحية بالأساس هي الحامل النفسي والروحي للنفس السورية ومناقبها ومثلها العليا وطبيعتها الخيرة المعطاءة. المحبة والمغفرة والتسامح والعطاء هي أساس التعاليم الروحية الأخلاقية المسيحية السورية. لم تكن أوروبا مؤهلة لحمل هذا الموروث لدرجتها الهمجية، ولافتقارها الى الأهلية الروحية والمناقبية لهذا الحمل فاذا بالمسيحية الغربية تتحول الى امبراطورية مقاتلة، امبراطورية حرب، والبابا امبراطور حربي يرتدي الخوذة، ويتزعم جيشا وينشر الحروب. كل ذلك تحت اسم المسيحية. مؤسسات نشر الموت تكفلت بنشره بدل نشر التعاليم المناقبية. وبما ان القيم هي عبء على من يحملها فقد انقضّت عليها لترسم سياسة بلا قيم، وغاية تبرر الوسيلة وعلما محايدا بتحريره من القيم، وأما الاخلاق والقيم الاجتماعية فتم تفكيكها بالكامل، ففي عالم المادة لا وجود لها.
نحن أمام مشهد يستلزم كشف زيفه. انه عالم منافق دجال. انتظرنا مئات السنين لنكتشف إنه يسرق ثرواتنا وأرضنا وشعبنا وتراثنا وسخر ملايين البشر عبيدا لمشاريعه، وهو يلهج بقيم الحرية وحقوق الانسان. لقد تم غسل أذهاننا بالكامل وتعرضنا لأكبر تضليل في التاريخ .كان يتم استعبادنا باسم المهمة التحضيرية .mission civilatrice
نعم نملك من الجرأة الكاملة لنعلن أن الحضارة الغربية فارقت الحياة من اللحظة التي وطئت فيها بلادنا. لقد كانت حاملة للهمجية التي لم تستطع الارتقاء منها، وفي أحسن إنجازاتها نشرت الاستدمار المسمى زوراّ استعماراً، وسرقت خيرات الأمم واستعبدت شعوبها. هل من إنجاز حضاري واحد بالمقياس الروحي الأخلاقي النفسي؟ أصلا ًهم أعلنوا في المئة سنة الأخيرة موت الاله، والدين والحضارة، والفلسفة، والتاريخ والانسان. هم أشهروا موت حضارتهم.
أما الحرية التي نادوا بها فلم تكن أكثر من فوضى، وكفل حق الاهانات والاساءات باسم حرية التعبير والتي بدورها كفلت حق تمزيق القرآن والسماح برسوم التهكم بحق الرسول. انها قمة الهمجية. ليتهم تعلموا الديمقراطية من آلهة تدمر، التي تعلمك إن الاله يطالبك بأن لا تسخر من إله لا تعبده. ان الاحترام قيمة عليا لا بل أعلى سلم القيم. احترام المعتقدات والمشاعر والشعائر والطقوس هو الديمقراطية الحقيقية، بغض النظر عن رأيك في المعتقد. بالمناسبة، ما الفرق بين من يدمّر تماثيلاً أو معابد بوذية ومن يحقّر طقوسا وقيماً روحية؟ بكل أسف، الفعل واحد. لا يجب أن تكون بوذياً حتى تنتفض لمشهد التدمير.
أما المضحك المبكي، فقصة الحرية هذه حدودها اليهودية. فليتجرأوا على رفع القوانين والعقوبات بحق من أنكر كذبة المحرقة؟ في كل أوروبا تقف حرية انتقاد اليهود ومراجعة التوراة، وتاريخ اليهود، ويجري منعها كلها تحت عنوان “معادة السامية”. حتى مراجعة تاريخية لمحاكمات نورمبرغ ممنوعة. هنا تنتفي حرية التعبير وحرية القول ليحل محلها السجن. إن اليهودية أطبقت بالكامل على كل مفاصل الحياة الغربية. لا تستغربوا ولا تنتفضوا. اليهودية أساساً لم تقبل الهزيمة بعد صراعها مع المسيحية السورية، لقد انتقمت من المسيح فجعلته ابن زنا ولد من ابن جندي روماني يُدعى باندفيرا.
انها النيوليبرالية وحق التعبير وانفجار فوضى الحريات المتفلّتة. ربما غداً ستجدون رجلاً متحولاً الى كلب يلعب دور مريم العذراء. لا شيء يدعو للاستغراب. كارثة ان تعيش في عالم كل شيء فيه مباح. انه عالم منحط حقاً. ونحن نقول ان القيم يحملها المؤهلون وهم ليسوا مؤهلين لهذا الحمل. ما تستحقه أوروبا اليوم ليس الإدانة بل الشفقة. ونعود لنؤكد أن نظاما بلا اخلاق ولا مناقب ولا قيم هو نظام غير مؤهل للحياة.
هذا هو وجه أوروبا الحقيقي في آخر اطواره، طور الاحتضار الأخلاقي، المعمّد بالوقاحة والسفاهة والتفاهة. ان هؤلاء الشاذين يمثلون وجه فرنسا الحقيقي، بعد ان اجتاحوا أعلى سلطة فيها. ويبقى وجه روسيا المتشبع بالقيم والدفاع عنها عصياّ على التطويع، وما حرب أوكرانيا الا في هذا السياق.
كثيرة هي الدلالات التي يمكن استخراجها من الحدث، وأشدها وضوحا أنها حضارة مادية تحتضر وتذوي. لعله عشاؤها الأخير بكامل حواريها، تتهيأ للصلب الذي أصبح واضحًا انه بات قريباً والمؤسف انه سيكون أيضا بطقوسه الشاذة. أوروبا اليوم في طور العجز الحضاري الروحي، هي آلة ميكانيكية. ان العقل اليهودي المتشبع بكل انواع الامراض النفسية ينتقم من فرنسا التي طردت اليهود منها في 3نوفمبر من عام 1394 بعد 730 سنة، فتخلصت من رذائلهم. اليهود أحسنوا الرسالة للأولمبياد. الرسائل الواضحة لا تحتاج جهداّ كبيرة لالتقاطها.
في الاولمبياد القادم سنكون امام مشهدين موثوقين: مشهد طقس الصلب حيث تعتلي أوروبا الصليب، بديلا عن طقس العشاء الأخير، ومشهد غزة وكامل فلسطين محررة حين يعود اليهود الى فرنسا حاملين عقدة أوديب، فتتحقق النبوءة التي قالت إنه سوف يقتل أباه ويتزوج أمه، وبالتالي يجلب الكارثة لمدينته وعائلته.