في هذه الايام تعرف باريس حدثين بارزين هما الاولمبياد ومهرجان كان. ولكنها عرفت بالتوازي حدثين ترددت أصداؤهما في أصقاع المسكونة وهزّت الضمائر كما خلقت مناقشات لن تنتهي قريباً نختصر ببعض كلمات، الحدثين المشينين:
من ضمن العروض المسرحية لافتتاحية الاولمبياد تم عرض حي للعشاء السري للسيد المسيح كمحاكات (باروديا) ساخرة للوحة الفنان العالمي ليوناردو دافنتشي التي ما تزال محفوظة في روما، كان المسيح ممثلا” بامرأة بدينة وكان الرسل في رقص وحركات توحي بالمثلية الجنسية، وكان ثمة صبي حديث السن من بين أعضاء اللوحة. أما في مهرجان كان، فقد قامت ممثلة من الدومينيكان بارتداء فستان كفساتين العرائس وتجر ورائها ذيلا” طويلا” عريضا” ينتهي بصورة لرأس السيد المسيح متوجا” بإكليل من شوك وكانت صورة المسيح تتجرجر على درجات درج طويل على وقع الدعس عليه حيناً، ومناكفات الممثلة احيانا” مع ممثلات وصحافيات.
صدرت في أمكنة كثيرة انتقادات عنيفة خاصة على مشهديّة العشاء الاخير أتوقف عند اثنين منها لرفعة المقام :1- “جورجيا ميلوني” رئيسة وزراء ايطاليا الشابة والطامحة للعب دور عظيم لبلادها في العالم تمثلاً بدور روما الامبريالية العظيمة، قالت بغضب وبامتعاض شديدين: هذا ليس افتتاح العاب اولمبية. إنه مهرجان العار لفرنسا واوروبا كلها، انه اولمبياد الازعاج والاساءة للكثيرين فيما رأيناه في ” باروديا ” العشاء السري. ولجورجيا ميلوني تصريح مشهور شنت فيه هجوما” غير مسبوق على فرنسا العنصرية التي تعيش على دماء الأفارقة في المناجم والغابات وخصوصا” الاطفال من بينهم.
استوقفتني كلمة فلاديمير بوتين، روسيا الاتحادية: أحمد الله انني لم أكن موجودا في هذا الاولمبياد، فانا لا اقبل أن تتم مثل هذه العروض المسيئة للأخلاق والدين بحضوري، ففي روسيا الاتحادية عدة اديان وطوائف تتعايش بسلام ووفاق واحترام كلي متبادل مثل هذه المساخر التي تتعرض للتراث الانساني لا تأتي من عبث ولا فراغ، بل على العكس، هي مدروسة بأدق التفاصيل من زمن طويل. تنبع جميعها في عالمنا المعاصر والحديث من اوروبا الغربية ومن الولايات المتحدة الاميركية، التي وصفت على الدوام بالغرب الذي يشن معاركه العسكرية والفكرية والدينية على الشرق الذي يصفه بالتخلف والدونية.
قسّم الغرب في القرن الماضي عالمنا الى ثلاث مجموعات رقمية: الاول والثاني والثالث، وقد اعتبر نفسه عالما” أولا” بالحرية والديموقراطية والقوة العلمية والسياسية , وصنف دول الاتحاد السوفييتي الذي نشأ في العام 1917 بالثاني مع نجاح الثورة الشيوعية بقيادة لينين في روسيا القيصرية حينها والذي فكك نفسه او فككه الغرب في عهد غورباتشوف العام 1991 وكانت عدة غورباتشوف نظريتين صاغهما في كتابه ” إعادة البناء”. هذا العالم الاشتراكي وقف نداً لل”عالم الحر” الذي حاك ضده مئات المؤامرات والتي توجت برأيه بتفكيك الاتحاد، في حين أن هذا التفكك حصل برأينا، لأسباب بنيوية ذاتية. أما سائر البلدان وغالبيتها العظمى في المشرق العربي وفي افريقيا فصنّف بالرقم ثلاثة لتخلفه وتبعيته.
نحن امام صراع للحضارات ختمه ” فوكو ياما ” بكتابه ” نهاية التاريخ ” الذي يشرح فيه بوضوح كيف ان العالم كله سيكون حلمه في المستقبل تقليد الأعجوبة الاميركية التي لم ير بعدها ايّ أفق للتقدم. وإن كان الموضوع يحتاج الى كتاب او أكثر إلا اننا نكتفي بالإشارة الى عقم تحليل ” فوكو ياما ” وإلى تقصير تومبي الفاضح في فهم حركة التاريخ وحصرها بصراع الحضارات، فنحن نرى بكل بساطة ان في الارض حضارة واحدة نشأت اولا” في سومر في العراق منذ حوالي 6000 سنة وأن الصراع في الارض منذ 4000 سنة هو صراع مصالح بين الالهة اولا” وصراع مصالح بين وكلاء الالهة وخلفائهم ثانيا” علما” أن هذا الصراع الالهي قد انحصر في تيارين أخوين: تيار انكي، مؤسس الارض، وتيار إنليل رئيس مهمة الذهب في كوكبنا.
اسوأ ما في الامر هو أن اوروبا الغربية والولايات المتحدة الاميركية قد فعلت الفظائع في القرن العشرين المنصرم باسم الديانة المسيحية التي نشأت في المشرق والتي تكمل طريقها في الفظائع غير القانونية وغير المقبولة إنسانياً، اليوم باسم الحرية والديموقراطية، وهي بذلك طبقت المثل: “إن فعلتها سأقتلك، وإن لم تفعلها سأقتلك”.
فخلال القرن العشرين الفائت صنعت امريكا مباشره أو بالواسطة 99 حربا راح ضحيتها ملايين من البشر. إن الحرب التي يشنها الغرب على عالمنا منذ تفكيك الامبراطورية العثمانية الاسلامية في الحرب الكونية الاولى للعام 1914 وحتى هذه الساعة تدخل في نفق جديد سوف يؤدي قريبا الى هزيمه هذا الغرب المستبد الاستعماري، ففي الواقع نعيش حاليا في ظل حرب عالمية ثالثة بدأت يوم أطلقت روسيا الاتحادية رصاصاتها الاولى على اوكرانيا التي كانت تسعى للتآمر على روسيا الاتحادية وتقسيمها مجددا بعد تدخل من حلف الناتو في 29 شباط 2022.
أما طوفان الاقصى الذي أحدثته حماس الفلسطينية في 7 اكتوبر من العام الماضي 2023 فقد شكل المرحلة الثانية من الحرب العالمية الثالثة الدائرة، ونحن نرى أن الحرب على الشرق أوشكت على الانتهاء لأننا نشهد انقلابا في الموازين لصالح الشرق الذي سيكون بإمكانه في الحد الادنى رسم خطوط عالمية كبرى جديده بين عالم غربي سيكون مصيره التفكك والانهيار، وبين عالم مشرقي واسع سيكون مصيره الوحدة الشاملة تمهيدا لتوحيد العالم كله بعد عقد أو عقدين من الزمن. وإن كان الامر يتطلب مجلدات في تصوير الصراع ومقاييسه المستقبلية فإنني أضع أمام القارئ الكريم صورتين مجليّتين واحده في الغرب واخرى في الشرق بإمكانهما أن يحسما ولو مؤقتا” الصراع التاريخي ما بين الشرق والغرب لأننا سنشهد قريبا وقريبا جدا تحولين ستكون ارتداداتهما كارثية على كوكبنا. ستنهزم اوكرانيا قريبا وينهزم معها حلف الناتو الامريكو-اوروبي وتنكفئ الولايات الأمريكية المتحدة خاسرة مقصوصة الجوانح الى عزلة تاريخية من شأنها أن تؤدي الى تفككها الى دول عديده. أما في شرقنا المعذّب, ستسقط اسرائيل كدوله عظمى في المنطقة على أقل تقدير إذا لم تمح من الوجود, كما اننا في لبنان و يا للغرابة فسيقوم نظام جديد مبني على المواطنة والمساواة بدلا من النظام الطوائفي العنصري الذي خلقه لنا الغرب وخاصة فرنسا –نعم فرنسا ذاتها- التي بدأت رحلة الانهيار مع وصول ماكرون (أي الماكر) صاحب النزعات اللاطبيعية التي شاهدنا مثلها في باريس اليوم من مساخر ضد الدين والتراث ستساهم هي وغيرها من الظواهر اللاإنسانية في تفكك الاتحاد الاوروبي وتفكك الامم المتحدة ومؤسساتها ومن يعش ير… والآتي قريب جداسفير سابق