بكثير من المحبة الممزوجة بالاستغراب والاستهجان، شاهدنا ما جرى خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في فرنسا، من الاستهزاء بسر الاسرار في المسيحية، وبما هو مقدس لدى مليارات الناس حول العالم.
ان الحرية والتنوع والابداع لا يتماشون مع إهانة معتقدات الغير، ولا مع السخرية منها، بأساليب لا تمتّ الى الرقي الإنساني بِصِلة.
لقد كانت المسيحية هي السباقة في صون الحريات، وحماية التنوع، والحفاظ على كرامة الانسان وحقوقه، لذلك لا نقبل تعريضها للامتهان من بعض الجماعات، علما ان كل انسان هو على صورة الله ومثاله وهو مدعو للخلاص.
وإذا كان الاحترام والصداقة هما قيمتان أساسيتان في ثقافة الألعاب الأولمبية، فكيف تقبل اللجنة الأولمبية ان تَنقُض قيمها؟
الحرية مسؤولية كبرى في تاريخ الانسانية، ولا بد لمن يمارسها ان يشعر بمسؤولية احترام الغير ومعتقداته، والدخول في حوار معه. ان السخرية من معتقدات الغير يكشف عن نزعة دفينة نحو قمعه، قد تقود الذي يقوم بها الى ممارسات لا تقبلها قيم الديموقراطية.
ان ما جرى انما يدل على جهل تام لمفهومي الحرية والكرامة الإنسانية، وهذا امر مقلق جدا بالنسبة الى مستقبل الإنسانية، لان استغلال منبر عالمي بهذا الأسلوب، انما يعني الانحدار بالتلاقي الإنساني الحضاري العالمي الى أدنى مستوى في العلاقات الإنسانية، وتاليا الى انتفاء القبول بالتنوع في الحياة الاجتماعية مما يفضي الى بروز النزعة الالغائية والاقصائية تجاه الآخر.
لقد الهمت المسيحية، عبر تاريخها، التطور الإنساني في مجالات العلوم والثقافة والفنون، وهي مستمرة في رسالتها هذه الى منتهى الدهر، و”أبواب الجحيم لن تقوى عليها”. (متى 16: 18)
اننا، نصلي ان يلهم الرب القدير سواء السبيل لجميع بني البشر، وان يمنع من ان تعود المجتمعات، باسم الحريات، الى عصر الظلمات والانحطاط والبدائية. لقد شكّل انتشار المسيحية القائمة أساساً على المحبة، حجر الزاوية لكل ما هو راق ونبيل في العالم.
وفي الختام، نقول لمن قام بهذا العمل، ان الرب يسوع يقول لهم كما قال للذي صلبوه، “اغفر لهم يا ابتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون” (لوقا 23: 34)، وان احترام حريات الغير، وصيانة كرامته الإنسانية، وبناء علاقات سليمة بين البشر، يفترضان الرجوع عن الخطأ، وتقديم الاعتذار العلني والصريح من جميع الذين جرى جَرحُ مشاعرهم وتم الاستهزاء بمقدساتهم حول العالم.