من هم هؤلاء الشهداء

عام 2013 استشهد محمد علي عواد ابن جبيل اللبنانية دفاعا عن حمص وخلال اقل من سنة استشهد ايهم أحمد ابن طرطوس دفاعا عن القنيطرة واستشهد سامي سعاده ابن وادي النصارى بجانب عبد العزيز محمد الهلال ابن حلب دفاعا عن جسر الشاغور واستشهد فيصل الأطرش ورشوان مشرف أبناء السويداء دفاعا عن ارضهم ضد التكفيريين واعوانهم وبالأمس استشهد وسام سليم ابن الصرفند دفاعا عن لبنان وفلسطين والشام في معركتهم القومية الواحدة ضد العدو الغاصب.

في هذا الزمن الذي تخنق فيه الطائفية انفاسنا من كثرة التحريض والترغيب والترهيب، ما الذي يدفع هؤلاء المنتجين فكرا وصناعة وغلالا من طلاب ومهندسين وغيرهم الى التضحية بحياتهم قريبا او بعيدا عن مسقط رأسهم ومسقط طوائفهم وليس لوعود في جنة السماء تشفي غرائزهم المكبوتة. ما الذي يدفع هؤلاء الى التجرؤ على تخطي القلم الذي استعمله سايكس وبيكو لعصر شرايين التواصل والحياة في جسم الوطن الواحد منذ أكثر من مئة عام. من هم هؤلاء ومن أين أتوا.

هؤلاء الشهداء لم يأتوا من العدم فقد سبقهم ابطال آخرون مارسوا البطولة المؤيدة بصحة العقيدة العلمية الواقعية التي عرفت ان الصهيونية هي الداء الخبيث الذي يفتك بمجتمعهم، فنبهوا منها وحاربوها قبل تأسيس كيانها وحتى اليوم. في فلسطين حاربها امثال حسين البنّا ابن جبل لبنان ومحمد الشلبي ابن حيفا وفي لبنان طردها امثال وجدي الصائغ نسر الجبل وسناء محيدلي عروسة الجنوب وعمار الاعسر أسد بانياس. كذلك واجه شهداء اخرون كثيرون المشروع الصهيوني بكل امتداداته الداخلية فثاروا على النظام الطائفي في لبنان في 1949 وفي 1961، كما واجهوا الانعزاليين والانفصاليين والعنصريين على انواعهم في حربهم عام 1975

هؤلاء الشهداء لم تدفعهم عاطفة الدين الى جنة الخلود، بل دفعهم إيمانهم بفكر أطلقه زعيم الشهداء وقدوتهم انطون سعاده الذي درس وعرّف من نحن وما الذي جلب علينا هذا الويل فحدد الخطة المعاكسة لوحدة امتنا ووطننا التام من المتوسط الى الخليج ومن اعلى جبال طوروس وزغروس الى الصحراء العربية، والتي كان من اهم بنودها فصل الدين عن الدولة لكي لا نتقاتل عبثا على السماء فنتمكن من صون الارض واهلها. سعاده لم يضع فكره على رفوف المكتبات، بل أسس الحزب السوري القومي الاجتماعي في 1932 وقاتل وحاول تأسيس جيش قومي للدفاع عن فلسطين وارتبطت حياته فكرا وممارسة بأمته حتى استشهد في 8 تموز 1949 بعد إعلانه الثورة القومية الاجتماعية الاولى لصد مؤامرة عليه وعلى حزبه شاركت فيها المارونية السياسية الانعزالية والبرجوازية السنية النفعية مع السلطات الشامية العميلة وبتخطيط وتنسيق من المخابرات الإسرائيلية والغربية.

هذه المسيرة لم تنطفئ رغم الويلات المستمرة فكانت وما زالت شعلة تضيء طريق البطولة المؤمنة بشعبها ووطنها، والتي جعلت هؤلاء الشهداء يؤمنون بان كل المشرق موطنهم واهلهم فان بكت بيروت تدمع بغداد وان تألمت القدس وغزة انّت دمشق وإنطاكية فلا تهزهم مجزرة بحق أبناء طائفتهم وكيانهم فقط، بل كل المجازر والنكبات تجرحهم في الصميم فدماء الشيعي ليست أغلى من المسيحي وروح الدرزي ليست أثمن من السنّي، ودماء بيروت ودمشق وعمان ليست أغلى من دماء القدس وغزة وجنين. كذلك فهؤلاء يخوضون بكل ما يملكون من وسائل معركة الدفاع عن الهوية والحضارة والموارد الطبيعية مع شعبنا في العراق والشام، وخاصة في معركته للدفاع عن هبة سوريا، النهرين العظيمين دجلة والفرات، ضد السالب والناهب والمجرم التركي.    

هؤلاء هم حركة الشعب العامة في مواجهة مئة عام اخرى من السايكس-بيكوية الجديدة التي قد تقضي على الحياة فينا وتترك لنا العيش الذليل. هذه السايكس-بيكوية الجديدة ليست سياسية فقط كسابقتها بل هي اجتماعية تشرد وتهجر وتفصل وتشرذم لكي تضع حدودا جديدة على اساس نقاوة الدين والعرق قد يصعب اعادة اللحمة اليها فيما بعد إذا نجحت. هذا المشروع الاجتماعي التفتيتي يسعى الى امة سنية وامة شيعية وامة درزية وامة مسيحية وامة كردية تردف ‘الامة اليهودية ‘وتعمل على نموها واستمراريتها. إذا لم يفهم ويدعم شعبنا الحركة المعاكسة لهذا المشروع التدميري كما لم يفهموا ويدعموا سعاده سابقا في 1949 فنحن ربما نسير الى عبودية طويلة. 

هؤلاء الشهداء من الشعب الواحد وللشعب الواحد ولم يأتوا من كوكب آخر، بل هم من رحم هذه الارض. انهم اصحاب رسالة ارض تسعى الى التكامل مع السماء وليس الاقتتال من اجلها. انهم اصحاب رسالة العقل والمنطق فيها يشرع الحياة، والسماء فيها تزرع الخير والجمال والحب على الارض ليحيا شعبها بالعز. انهم رجال الله في الميدان. انهم أبناء الحياة.

راجي سعد

تورتنو، كندا