عشية الذكرى الخامسة والسبعين لاستشهاد سعاده لا بد من توضيح بعض المسائل التاريخية المتعلقة بهذا الحدث المأساوي الفظيع، ولا بد من لفت النظر أنه لا زال يتم ترديد روايات أثبتت الأبحاث والتحقيقات والوثائق أنها لم تكن صحيحة.
أولاً: موقف سعاده من قرارات وتدابير وأفعال المجلس الأعلى خلال غيابه القسري في الأرجنتين.
من المعلوم والمجمع عليه اليوم أن سعاده حين عودته من “منفاه” الأرجنتيني في 2 أذار 1947 بادر فوراً وتدريجياً الى إلغاء جميع القرارات والتدابير والأفعال الإنحرافية التي كان المجلس الأعلى قد اتخذها خلال غيابه، ثم أقدم على حلّ هذا المجلس الذي اعتبره غير شرعي ليس فقط لأنه اتخذ قرارات مخالفة للعقيدة السورية القومية، بل ايضاً لوجود أعضاء غير أمناء في عضويته. ولكن لم يحصل الإجماع بعد حول السبب الذي جعل سعاده يهادن ذلك المجلس ويمتنع عن التصدي له قبل عودته وهو بعد في الأرجنتين.
في هذه المسألة بالضبط أريد أن أخالف الرأي الذي يقول إن سعاده هادن المجلس الأعلى ولم يتصد لانحرافاته بسبب أنه، أي سعاده، كان قد منح أو نقل أو فوّض صلاحية الزعامة ومسؤولياتها الى ذلك المجلس قبل سفره سنة 1938، وأراد احترام تلك الصلاحيات والمسؤوليات التي للمجلس الى أن يعود الى الوطن ويستعيدها ويتخذ التدابير المناسبة. أريد أن أوضِح أن هذا التفسير لم نسمعه أو نقرأه من قِبَل أحد من الأمناء أو الرفقاء الذين عايشوا تلك المرحلة. كما أننا لم نعثر على أي مرسوم أو قرار لسعادة، أو أي تصريح منه، يشير الى أنه نقل صلاحيات ومسؤوليات الزعامة الى المجلس الأعلى قبل سفره.
وحتى لو كان هذا التفسير صحيحاً، وهو غير صحيح، فقد كان يمكن لسعادة، الذي يحترم صلاحيات ومسؤوليات المجلس الأعلى، أن يوجّه وينصح ويلفت نظر المجلس على خطأ تدابيره وقراراته. لكن سعاده لم يفعل ذلك، بل ترك الأمور تجري كما هي الى أن يعود بنفسه ويضع الأمور في نصابها الصحيح. لماذا؟؟
نحن نعتقد أن سعاده، وقد رأى انحرافات المجلس بوضوح وتبيّن له تواطؤ هذا المجلس مع الحكومة اللبنانية لمنع عودته الى وطنه ومركز حزبه، قرر خوض معركة العودة وجعَلها أولويّة وأراد تفادي الصدام مع نعمة ثابت وصحبه، من بعيد، كي لا يتورّط هذا الأخير أكثر وأكثر في صفقاته مع حكومة لبنان وتصبح عودة سعاده الى الوطن بحكم المستحيلة. لقد اعتقد سعاده أنه سيستطيع إصلاح نعمة عند مقابلته ومحاورته في بيروت وإعادته الى رشده القومي. وهذا بالضبط ما باشر فعله فور عودته الى بيروت وقد عقد مع نعمة جلسات كثيرة وطويلة لهذه الغاية، لكن دون نتيجة. فنعمة كان قد تورّط وغرق في وهدة انحرافاته العقائدية والسياسية لدرجة اللاعودة.
هذا الموضوع كنت قد توسعت في شرحه في كتابي “الأسباب والعوامل الحزبية الداخلية في تاريخ استشهاد سعاده” من خلال رسائل سعاده العديدة التي وجّهها الى نعمة منفرداً، والى ناموس المجلس ليقرأها لجميع أعضاء المجلس في اجتماع رسمي، والى العديد من رفقاء ومسؤولي الفروع في الأرجنتين والبرازيل والشاطئ الذهبي. وكل تلك الرسائل تبيّن بوضوح أن مهادنة سعاده للمجلس لم تكن للسبب المزعوم أن لا صلاحية له في الاعتراض على صلاحيات المجلس ووقفها.
أنصح بقراءة القسم الأخير من كتابي من الصفحة 112 الى الصفحة 126 تحت عناوين:
سعاده يداري ويحرص على النظام ووحدة الحزب، أزمة الاتصالات مع مركز الحزب رغم انتهاء الحرب، سعاده يداري نعمة ثابت ويستوعبه، نصف انفراج، مكروا فمكرنا والحرص على وحدة الحزب، سعادة يحرِج نعمة ويفضح كذبه، تفاصيل من فريد الصباغ، كيف حصل الزعيم على جواز السفر؟، في القاهرة، تغيّر نظرة القياديين الى الزعيم.
ثانياً: لم يكونوا يريدون قتله في لبنان
المسألة الثانية التي أرى أنه جرى فيها سوء تفسير وسوء قراءة تاريخية هي مسألة خطة الإيقاع بسعادة منذ حادثة الجميزة الى لحظة الاستشهاد.
تحت عنوان “الدلائل الأربعة” (من صفحة 192 الى الصفحة 209) بيّنت في كتابي الدلائل والبراهين والإثباتات والشواهد على أن الحكومة اللبنانية بالاتفاق مع الحكومة الشامية، وبتنسيق الأمر من قِبَل غرفة المخابرات المشتركة الأميركية الإنكليزية، لم تكن تريد اعتقال سعاده في بيته بعد حادثة الجميزة، ولا في أي مكان آخر في بيروت، ولم تكن تريد قتله في لبنان قبل إعلان ثورة مسلحة من دمشق. بل إن المخططين قد دفعوه دفعاً الى دمشق لكي يعلن الثورة المسلحة من هناك تحديداً. إن اعترافات فريد شهاب الصريحة في مقابلة مكتوبة في جريدة الحزب صباح الخير- البناء تاريخ 12 تموز 1980 (العدد256) أنه كان يراقبه من منزل مقابل للمكان الذي كان فيه… وأنه امتنع عن اعتقاله…الخ، ليس هو الدليل الوحيد. ننصح بقراءة هذه الدلائل وما قبلها وما بعدها.
ثالثاً: حسني لم يغير رأيه، إنه عميل منذ ما قبل سنة 1947.
هناك اعتقاد آخر خاطئ وهو أن حسني الزعيم أراد مساعدة سعاده جدّياً لكنه عاد وغير رأيه بعد أن وقع في حبائل وإغراءات حكومات مصر والسعودية الذين صالحوه مع حكومة لبنان لقاء تسليم سعاده.
حبذا لو تقرأوا تحقيقي وتطلعوا على الوثائق التي أوردتها والتي توضِح خطة السفارة الأميركية في دمشق وتحديداً الملحق العسكري الأميركي فيها الجنرال “ميد”، وتقرأوا اعترافاته بأنه قد طاف بحسني على جميع المراكز الواجب احتلالها قبل يوم واحد من الانقلاب الذي نفذه. وحبذا لو تقرأوا الوثيقة التاريخية بخط اليد التي كتبها الضابط القومي الاجتماعي العقيد قيصر زهران يمّين سنة 1947 وهو مفتش عام الجيش السوري ووجهها الى قيادة الجيش بخصوص عمالة وانحطاط اخلاق حسني الزعيم وشذوذه. علماً أن سعاده لا بد أنه كان قد اطّلع على هذه الوثيقة المختومة بختم وزارة الدفاع الوطني، وهو الذي كان قد اختار العقيد قيصر لتدريب صف الضباط القوميين الاجتماعيين سنة 1948. الوثيقة يمكن الاطلاع عليها وقراءتها في كتابي صفحة 535.
رابعاً: أديب الشيشكلي هو العميل المستور الخطير الذي تآمر على سعاده واستقدم عبد المسيح الى دمشق وسيطر عليه وعلى الحزب وسياسته منذ 1949 الى 1964.
من المؤسف كثيراً لحد الغضب أن يستمر بعض القوميين في اعتبار أديب الشيشكلي قومياً اجتماعيا!!
إن هذا الشخص قد لعب دوراً خطيراً جداً في قتل سعاده وفي التحكم بسياسة الحزب بعد ذلك.
لا يتسع المجال هنا لإيراد كل شيء بالتفصيل، فهذا موجود في كتابي وقد قدّمته كله لكل من يريد معرفة كيف استشهد سعاده ولماذا استشهد. إني مستعد لإرسال كتابي الكترونياً، أي دون مقابل، الى أي رفيق يطلبه وهذا هو رقم هاتفي: أستراليا 0411786756. اقرأوا ثم اقرأوا ثم اقرأوا وكفّوا عن ترديد الروايات المدسوسة في تاريخ الحزب…