الثامن من تموز وثورة التحرير القومي

     بلغ التأزم الدولي، في بدايات القرن العشرين، حداً كبيراً أدى إلى نشوب الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 التي غيرت الخريطة السياسية في العالم، ففتحت هذه الحرب، خلالها وبعدها، آفاق جديدة أمام الشعوب المقهورة لكي تتحرر من نير العبودية، وهذا ما كان متاحاً أمام الشعب السوري الذي كان فاقداً وعيه القومي، فأوكل مهمة قيادة الثورة الى شريف مكة، التي أدت إلى وقوع الأمة السورية تحت الاحتلال الغربي، ثم تقطيع أوصالها بدل المحافظة على وحدتها السياسية، وتقديم أجزاء غالية من أرضها الى دول الجوار، واقتطاع فلسطين لتكون دولة لليهود الصهاينة، القادمين اليها من كل أصقاع المعمورة.

     من هذا المخاض الثوري الذي يمكن أن يوصف بالاختزان الثوري والزمني والفكري للأحداث، انبلج فجر الحزب السوري القومي الاجتماعي، حركة ثورية نهضوية في معرض الاستجابة للتحدي الخارجي والداخلي الناشئ بفعل الاستعمار الغربي والصهيوني للأمة السورية.

      وقد ارتكزت هذه الثورة – النهضة على عقيدة صحيحة واضحة مؤداها الخروج من البلبلة الفكرية إلى عقيدة صحيحة، وإلى نظرة جلية قوية إلى الحياة، تستهدف بناء الانسان القادر على تجسيدها على ارض الواقع “ثورة فاعلة أحياناً، وأحياناً دامية، واحياناً غير دامية، …إلى أن تنتصر حياة الأمة وإرادتها على السياسات الخصوصية والارادات الأجنبية”. فالفكر والممارسة وجهان لحقيقة واحدة لا انفصال ولا ثنائية ولا تناقض بين أطرافه. إذ أن فقدان السيادة القومية إنما هو نتيجة لغياب الوعي القومي.

    فالمنطلق القومي للحركة السورية القومية الاجتماعية يقوم على أساس مدرحي، حيث التلازم بين الشأنين القومي والاجتماعي، إذ أن الأخوة القومية، عند سعادة، لا تتسق مع الحرمان، بل هي مرتبطة بإزالة كل الأنظمة التي تقوم على التمييز بين المواطنين، سواء أكان النظام إقطاعياً أو رأسماليا، أو طائفياً، لأن كل أنظمة الحرمان لا تتناسب مع الأخوة القومية.

     ولأن الأخوة القومية لا تنتج عن وحدة بين الذئاب وضحاياها، تتوجه الحركة القومية الاجتماعية إلى العمال والفلاحين وإلى المثقفين وأصحاب المهن الحرة والاختصاص، أي إلى المنتجين فكراً وغلالاً وصناعة، فيما في الطرف المقابل المضاد تعسكر القوى الإقطاعية والرأسمالية المتحكمة والعميلة للأجنبي، ولذلك لا وحدة بين المستغلين والمستغلين، بل أصبح ضرورياً سقوط أنظمة الاستغلال والظلم الطبقي لمصلحة العدل الاجتماعي – الاقتصادي الحقوقي، لا سيما وقد أكد سعادة الترابط العضوي بين أربعة أعداء للشعب، كاشفاً عن طبيعة التحالف بين الاستعباد الخارجي المتمثل بالصهيونية والاستعمار، والاستعباد الداخلي الذي “يتخذ من الإقطاعية والرأسمالية واسطة وشكلا”.

      لقد أثبتت التجربة عجز الأنظمة العربية في مواجهة المؤامرة الدولية على فلسطين، فكانت النكبة عام 1948، على حساب شعبها الذي شرّد من أرضه، ثم تأكد العجز ثانية عام 1967 عندما استكمل العدو الصهيوني احتلال فلسطين كلها، بالإضافة إلى احتلال مساحات واسعة من الكيانات العربية التي دخلت الحرب.

    لذلك آن الأوان إلى قيام وحدة سياسية حقيقية بين دول الهلال الخصيب، ضمن استراتيجية واضحة في مقارعة العدو الصهيوني، على أساس من تعزيز الوحدة المادية – الروحية بين أبناء الشعب الواحد في هذه الكيانات، حتى تتحرر فلسطين وتعود إلى حضن الأمة السورية التي تنتمي اليها.

     ولبلوغ الوحدة السياسية الكاملة والشاملة لكيانات الهلال الخصيب، ينبغي قيام نهضة فكرية سياسية في أوساط الشعب تبين الفائدة العظيمة في تحسين أحوال الشعب وترقية حياته من جهة، ومن جهة ثانية إمكانية قيام جيش قوي قادر على تقرير مصير فلسطين وتحريرها من الاحتلال الصهيوني.

    إن دعوة سعادة عام 1932 إلى وحدة سورية، كان الدافع الأساسي لها الرد على فعل الاستعمار الغربي الذي قسم سورية إلى كيانات ضعيفة تمهيداً لقيام دولة “إسرائيل” لتكون حارساً لمصالح الغرب على حساب الشعب السوري الواحد في هذه الكيانات المصطنعة. وهذه الدعوة هي التي كانت سبب إعدامه من سلطات  الأنظمة التي تامرت بمجملها عليه فمضى جسدا لكن عقيدته الباقية والمنتصرة بدمه ،لا تزال دعوة صالحة لتحقيق الوحدة والتحرير، لتكون الأمة السورية في الموقع المناسب بين الأمم الحرة والراقية، ولكي تتحرر فلسطين من نير الاحتلال الصهيوني الذي طال ليله، إذ لا بد لليل أن ينجلي وتشرق شمس النهضة في الامة الحرة الموحدة والقوية .