سعاده الذي سبر أغوار الأمّة

في زمن كانت الأمّة في عراك مع بقائها وفي صراع مرير مع الطامعين بمقدراتها وثرواتها وتراثها، والقوى الاستعماريّة والرجعيّة لم تأل جهدًا ولم توفّر سبيلًا للنيل من مقومّات الأمّة والعمل على تفتيتها وشرذمتها وسحق طموحات أبنائها، ولد انطون سعاده من رحمها فكان بمثابة المنقذ والمعلّم الحامل مشعل الضوء في غياهب الظلام، زارعًا الأمل في النفوس حيث كانت تعاليمه النهضويًة دربّا لانبعاث الأمّة من الموت وعودتها الى الحياة.

نجح الزعيم بإيقاظ الوجدان القوميّ في الوطن والمغتربات ووضع مبادئ النهضة وأسّس الحزب للسير بالأمّة نحو الأرقى ومعالجة قضاياها ومعاناتها من تمزّق وضياع وارتهان للإرادات الأجنبيّة والنزاعات الطائفيّة والعرقيّة والعشائريّة.

سعاده سبر أغوار الأمّة، قرأها، ألمّ بدقائقها وتاريخها وجغرافيّتها مفصّلًا كل ما يعتري واقعها سيّما المصاعب الجمّة التي تخنق حالها حيث قال “لا الشدائد تميتنا، ولا الأهوال تزعزع إيماننا، ولا قوّة على وجه البسيطة تقدر أن تردّنا عن غايتنا”.

إزاء ما عاشه الزعيم وما تعيشه الأمّة كان لا بدّ له من التأكيد على حتميّة الصراع “لو لم تكن حركة صراع لما كنّا حركة على الإطلاق، لا تكون الحياة بلا صراع”.

هذا الفهم الذي أرساه سعاده وجسّده في تأسيس حزب هدف منه نهضة الأمّة وإقامة نظام جديد يؤمّن مصالحها واستقلالها وحريتّها، ولم يتوان أو يوفّر سبيلًا لنهضة الأمّة رغم وعورة المسالك الى أن توّج هذا الوعي والوجد والإيمان باستشهاده في الثامن من تمّوز، التاريخ الذي سيبقى يضارع الأزل ووحيًا مشتعلًا في حراكنا وعقولنا ونهجنا ورجائنا، لأنّ هذه الشهادة هي التأكيد على إدراك سعاده أنّ نهضة الأمّة وإحقاق الحقّ لا يتحقّقان إلّا من خلال المقاومة والثورة وامتلاك القوّة وفهم فلسفة القوّة: “لم تلدني أمّي لأحيا بل لتحيا أمّتي”.

شهادة الزعيم عبّدت الدروب أمام هذه الأمّة كي نسلك الطريق الأنجع من أجل حقوقها وكرامتها ووجودها، وستظلّ هديًا وإيمانًا لنا والتزامًا لا حياد عنه.

إنّ الحزب السوري القومّي الاجتماعيّ لازم الإرادة والتشبّث بفكر الزعيم وقاتل دفاعًا عن فلسطين وحفظًا للشام، وما زال يرابط على حدود الوطن في مقارعة العدوّ اليهودي، حيث قامة شهيدنا وسام سليم التي تشظّت وانتثر دمها دفئًا وأملًا لنفوسنا وإعلاءً لشأننا، وجراح البعض من رفقائنا التي تلتئم وتشفى من ريح الأرض وكبرياء الوطن.

الزعيم ولد شهيدًا في الأوّل من آذار وبقي يصارع من أجل القضيّة التي تعادل الوجود الى أن توّج وعيه وإخلاصه ونهجه بشهادته في الثامن من تمّوز.

الثامن من تمّوز تاريخ لفخرنا وعزّنا، حيث العنفوان يلفّ قاماتنا المرويّة بعبق شهادة الزعيم، لكنّنا في الرابع من تموز لا بد من تحيّة الأمين والرئيس علي قانصو، هذا المعنى الآخر لمعانينا في فهم النهضة والتزامًا أكيدًا في مبادئ حزبنا، رفيق لا يطويه الردى ولا الزمن حسبه شهاب وضّاء في سماء الأمّة وربيع يورق الأمل في فصولنا.