المقاومة السورية للمشروع اليهودي متجذرة في وجدان القومي

المقاومة السورية للهجرة اليهودية هي عميقة ومتجذرة في الوجدان السوري وخاصة في ابناء شعبنا في الجنوب السوري لان الهجرة اليهودية اولى استهدافاتها الجنوب السوري فلسطين، فمنذ حزيران 1891 اجتمع الوجهاء المؤثرين في القدس، كممثلين للشعب، وليس لديانات وطوائف، في اجتماع وطني الطابع، والمشاركين فيه من ابناء الديانتين المعتقد بهما في سورية، المسيحية والمحمدية .
وكان نتيجة الاجتماع الطلب من الصدر الاعظم في الإمبراطورية العثمانية المحتلة، بأصدار فرمان يمنع تملك اليهود في الجنوب السوري ومنع هجرتهم الى فلسطين. وجاء الرد العثماني الموافقة على طلبهم بموجب فرمان. ورغم وجود هذا الفرمان وبسبب تواطئ الحكومة العثمانية او فساد المتنفذين بالدولة العثمانية والارجح الاثنين معا فقد تسلل الى الجنوب السوري من سنة1892 الى 1914 حوالي خمسين الف يهودي ،علما انه لم يكن هناك وجود لليهود في الجنوب السوري اقله منذ الاحتلال العثماني اي على مدى اربعمائة سنة متواصلة، الى ان دخلها الجيش البريطاني بقيادة الجنرال إدموند أللنبي محتلا ، فجاءت اعدادا يهودية كبيرة ،تنفيذا لمعاهدة سايكس – بيكو التي نظمت في سنة 1916 والتي كانت سرية بين فرنسا وبريطانيا وبمصادقة الامبراطورية الروسية وايطاليا وكان تفاهما على اقتسام الوطن السوري (الهلال الخصيب) ، وتحديد النفوذ في غرب آسيا. وانعقد مؤتمر سان ريمو سنة 1920 وحضره رؤساء وزراء بريطانيا، وفرنسا، وايطاليا وممثلين عن دول اخرى كاليابان واليونان وبلجيكا. وكانت مقررات المؤتمر 1- وضع الشام ولبنان تحت الانتداب الفرنسي 2- وضع العراق تحت الانتداب البريطاني 3- وضع الجنوب السوري فلسطين وشرق الاردن تحت الانتداب البريطاني، مع الالتزام بتنفيذ تصريح وعد بلفور ” اقامة وطن قومي لليهود في الجنوب السوري فلسطين”.
وانفاذا لهذه المقررات تم تعيين اليهودي هربرت صموئيل اول مفوض سامي بريطاني على فلسطين، الذي أمن الفوائد الكبرى للعدو اليهودي وسهل هجرة اليهود الى الجنوب السوري فلسطين، وعمل بكل جهد لتنفيذ انشاء وطن قومي لليهود في الجنوب السوري.
ورغم القبضة العسكرية البريطانية والفرنسية التي مارست أعنف الاعمال الوحشية، لم يستسلم شعبنا السوري للاحتلال، ولا للمؤمرة الدولية في اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. فعقد في حزيران 1919 المؤتمر السوري الكبير في دمشق، (ويقصد بالسوري سورية الطبيعية او الهلال الخصيب) وحضر المؤتمر ممثلين عن كل المناطق في الوطن السوري (الهلال الخصيب) مثل لبنان وفلسطين والشام ولا مجال الان تعداد الحاضرين والمناطق المتمثلة كافة، وكانت اهم مقرراته.
1- اعلان استقلال سورية الطبيعية (الهلال الخصيب) والاعتراف بها دولة موحدة، والمطالبة برفع الحواجز الجمركية. 2 – رفض اتفاقية سايكس – بيكو ووعد بلفور وكل المشاريع الهادفة الى تقسيم البلاد. 3- رفض الوصاية السياسية التي ينطوي عليها نظام الانتداب.
وفي سياق مقاومة شعبنا للأطماع الغربية واليهودية وتقسيم سورية الطبيعية وسلخ فلسطين عن سورية ومخطط اسكان يهود العالم في الجنوب السوري فلسطين. انعقد في اوائل كانون الثاني سنة 1919 مؤتمرا عاما في فلسطين شارك فيه ممثلين عن مختلف مناطق فلسطين نعدد منها نابلس، غزة، طولكرم، جنين، حيفا، عكا، صفد، يافا، طبريا، الناصرة، بيت لحم ، الخليل ، بئر السبع، والقدس . وأصدر المؤتمر في ختام اعماله ميثاقا ضم المواد التالية
1-فلسطين هي سورية الجنوبية وجزء لا يتجزأ من سورية الطبيعية.
2- الاستقلال التام لسورية الطبيعية جميعها بلا حماية ولا وصاية ولا احتلال.
3 – رفض وعد بلفور ، ورفض الهجرة اليهودية الى فلسطين، ورفض كل دعوى لليهود فيها، وتقرر ارسال مذكرة بالمقررات الى الحكومة البريطانية المحتلة والى المؤتمر الذي ينعقد في باريس.
ومنذ سنة 1918 اخذ الوعي القومي يأخذ خطواته العملية بالصراع مع العدو اليهودي والمستعمر الغربي ومنذ ذلك التاريخ1918 تأسست اول جمعية سورية وطنية مقرها في الجنوب السوري مؤلفة من كل ابناء المجتمع مسيحيين ومحمديين، وهذا يدل على الوعي القومي السياسي المبكر، ومن اهداف الجمعية الدفاع عن حقوقهم الوطنية، والاصرار على ربط مصير الجنوب السوري فلسطين بمصير سورية الطبيعية، ومناهضة بكل الوسائل وعد بلفور. ولقد اتخذت هذه الجمعية شعارا لها الهلال وبداخله الصليب.
بدأ شعبنا السوري في فلسطين الاجراءات التنفيذية لمقاومة الاحتلال واقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ففي سنة 1920 نظم شعبنا في مدينة القدس مظاهرة كبيرة حاملين شعارات عديدة، منها اوقفوا الهجرة اليهودية، المطالبة بانضمام فلسطين لوطنها سورية الطبيعية، واقامة دولة سورية الطبيعية. وفي آذار من سنة 1920 هاجمت قوات سورية المستعمرات اليهودية التي انشأت في الجليل الاعلى بفضل مساعدة الجيش البريطاني المحتل. وفي 8 آذار سنة 1920 نظمت مظاهرة سورية ثانية في مدينة القدس، وبين 4و7نيسان سنة 1920 انتفاضة ومقاومة سورية ضد انشاء كانتون يهودي في القدس. وبين 1و7 ايار سنة 1920 قام السوريون الجنوبيون بانتفاضة مسلحة ضد الاحتلال اليهودي المدعوم من جيش الاحتلال البريطانية ادت الى مقتل 47 يهوديا واستشهاد 48 مقاوما سوريا. وفي سنة 1921 دعا انطون سعاده شعبه السوري الى نبذ التفرقة الدينية والمناطقية والتنبه الى الخطر اليهودي القائم في سورية وداعيا كل السوريين “ان يعملوا متحدين ويستخدموا لذلك جميع قواهم العقلية والجسدية والمادية وان يكونوا مستعدين لأية تضحية كانت في هذا السبيل” وكانت دعوته ازالة هذا الخطر اليهودي ورميه في البحر. مما شكل لدى الوجدان السوري وعيا ينمو باطراد ويمتد دون حدود في كل الوطن السوري لهذا الخطر اليهودي. ومازال الخطر قائم ومازال الصراع مستمرا حتى يتحقق محق وجود الكيان اليهودي في بلادنا.
سردنا كل الذي تقدم في هذا المقال لنوضح لأبنائنا السوريين وللعالم ان المقاومة في بلادنا اصيلة وعميقة في التاريخ للخطر اليهودي والاستعماري، وليست وليدة اصطفاف في محاور سياسية اقليمية ودولية. ولنرد بالوقائع على الابواق الاجنبية واليهودية المتمثلة بالانعزال في كل كيانات الوطن السوري ، وعلى اشاعاتهم المفرقة البغيضة ، ومنها هذا الصراع بين الفلسطينيين واليهود ولا دخل لنا فيه، هذا الصراع بين المحمديين واليهود ونحن على الحياد منه، وهذا الصراع بين المقاومة المرتبطة في المحاور الدولية ونحن بمنأى عنه، اضافة الى التزوير التاريخي للحقائق وان الوجود اليهودي حاضرا في فلسطين منذ آلاف السنين ، وان الفلسطينيين وافقوا على الهجرة اليهودية وباعوا ارضهم لليهود، وان الفلسطينيين وافقوا على دولة ديمقراطية مشتركة بينهم وبين اليهود. والحل العودة الى رأي تقسيم فلسطين لدولتين او اقامة دولة ديمقراطية، هذه الشائعات وهذه الآراء وهذه السموم لا تمثل الامة، بل تمثل افرادها العبيد المتقولين بها. والتزاما بقول المعلم سعاده: ان العبد الذليل لا يمثل الامة.
والذي نريد قوله في هذا المقال ان الفلسطينيين تمسكوا في سوريتهم، وابتعدوا عن العصبية الكيانية والدينية والمذهبية، ووقفوا وقفة رجل واحد في مواجهة العدو اليهودي وناشدوا ابناء وطنهم السوري مؤازرتهم للتصدي لهجرة العدو اليهودي. والامر الثاني الذي نريد توضيحه وتبيانه ان تقسيم سورية الطبيعية كان وفق مصالح الدولتين البريطانية والفرنسية واصدقائهم في اتفاقية سايكس- بيكو وسان ريمو وفي مؤتمر السلام الذي عقد في باريس وليس على قاعدة استقلال لبنان، والشام، والعراق، والاردن.. الخ، اوطان حقيقة وامم تامة. بل جرى ترسيم الحدود وفق اقتسام الاراضي السورية بين بريطانيا وفرنسا في سايكس – بيكو وفي اتفاقية بوليه – نيو كومب او خط بوليه – نيو كومب ويعرف ايضا باسم الاتفاقيات الحدودية البريطانية الفرنسية والتي كانت سلسلة من الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين بين سنة1920 و1923 بين الحكومتين البريطانية والفرنسية فيما يتعلق بحدود نفوذهم ببلادنا السورية. والقول المضلل انه جرى تحديد الحدود بين لبنان وفلسطين هو افتراء على الحقيقة فكيف يكون رسمت بين لبنان وفلسطين. والفلسطينيين يقولون نحن جنوب سورية الطبيعية ونحن جزء لا يتجزأ من الوطن السوري في مؤتمرهم عام 1919 وكيف يرسم لبنان حدوده مع فلسطين والشام وقد شارك ابناؤه ومن مناطق مختلفة في المؤتمر السوري الكبير الذي رفض اتفاقية سايكس -بيكو ووعد بلفور وكل المشاريع التقسيمية للبلاد السورية. هذه الاضاليل لم تعد تنطلي على أحد وهذه الحرب الدائرة اليوم منذ السابع من تشرين الاول 2023 اثبتت وحدة البلاد ووحدة المخاطر التي تهددها ووحدة الارادة السورية المتصدية لها. وان كان لا بد من وضع حدود بين لبنان وفلسطين والشام وغيرهم جريا وراء التضليل على انهم امم ودول مستقلة ومعترف بهم في الامم المتحدة خلافا للحقائق العلمية لمفهوم الامة والدولة. وعلى افتراض تولدت ارادة لبنانية عامة شاذة، وارادة شامية عامة غائبة عنها الحقيقة، وارادة فلسطينية عامة ضالة عن الواقع الطبيعي، وان كان هناك اصرار على ترسيم حدود بينهم وهذا لن يحدث بفضل وعي شعبنا لحقيقته. يجب ان يكون الترسيم بين لبنان وفلسطين بين الحكومة اللبنانية والحكومة الفلسطينية وليس بين الحكومة اللبنانية والجيش اليهودي المحتل. لان لا مسوغ قانوني ان يحدد جيش محتل حدود اي وطن. ووفق المواثيق والقوانين الدولية ليس لأية دولة، او هيئة، او جهة دولية، او محلية، او محتل تحديد حدود بين دولتين بل يجري تحديد الحدود بين الحكومتين المعنيتين. وبناء على ما تقدم علينا رفض خط بوليه – كومب والتمسك في حل الحدود الوهمية يكون بين الحكومتين اللبنانية والفلسطينية وليس مع المحتل اليهودي. فليخجل الانعزال في كل سورية وخصوصا في لبنان الذي تنازل عن شرفه الوطني والقومي وانساق وراء المشاريع الاستعمارية الاجنبية واليهودية منذ ان تشكلت حزبيته السياسية الطائفية والمتقوقعة على نفسها خلافا لمبدأ التفاعل الفاعل المحي وخلاف لمبدأ النمو والارتقاء الانساني. وعليه ان يعي حقيقته وينخرط في مقاومة المشاريع الاستعمارية واليهودي.

-ناموس المجلس الأعلى