تصدع السردية الغربية وبداية رحلة التغيير المفتوحة على آفاق لا متناهية

تطور تكنولوجيا الإتصال والإعلام وظهور وإنتشار مواقع التواصل الاجتماعي، مما سمح للمهتمين البحث عن أي أحداث أو تفاصيل مثيرة للجدل إختُزلت، أو تم تحويرها أو تجاهلها في المناهج التعليمية أو الإعلام الغربي.

ارتفاع مستوى الإختلاط والتفاعل بين الطلاب والأساتذة والموظفين العرب والمسلمين مع نظرائهم الغربيين في المدارس والجامعات الأميركية والعمل أو الأحياء السكنية سواء داخل الولايات المتحدة أو دول الخليج التي تستوعب عدداً لا بأس فيه من الموظفين والأساتذة الأجانب وعائلاتهم والتي تتناقض مع صورة العربي أو المسلم الهمجي التي زرعت في مخيلاتهم في مراحل سابقة.

تفاقم الأزمات الداخلية والمعيشية والصحية بسبب الإنفاق على برامج التسليح والدفاع والتي ضعضعت مبررات التدخل الأميركي العسكري في وجدان مئات الألاف من الأميركيين خاصةً بعد إنجراف الرأي العام الأميركي الغاضب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2000 إلى تأييدها.
لقد وجد جيل جديد من الشباب الأميركي والأوروبي نفسه أمام واقعٍ موروث تشتد فيه حدة الفروقات الاجتماعية وتفاوت كبير في مستوى المعيشة وتردي نوعية الخدمات العامة وظهور رقابة سياسية صارمة تارة لمنع إنتقاد التدخل الغربي في أوكرانيا أو لحماية الأجندات الاجتماعية والترويج للمثلية و تسهيل إجراء عمليات تحويل الجنس للأطفال دون إعطاء الأهل أي حق قانوني في التدخل من جهة أخرى، وتناقضها مع شعارات تمجد الحرية وتقدس القانون، بالإضافة إلى كشف الكثير من الكذب الرسمي في قضايا سياسية في مثل علاقة أجهزة رسمية أميركية بتنظيم القاعدة التي إتهمت بأحداث 9/11 وتحالف القوات الأميركية في سوريا معهم كما كشفت مراسلات هيلاري كلينتون – جاك سوليفان مؤخراً، بالإضافة إلى تسليم الحكومات الغربية بعدم صحة إتهامهم من أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل تهدد الأمن والسلم العالميين وسلامة البر الأميركي، وعلانية عمل الإدارات الأميركية لضعضعة الإستقرار في مناطق واسعة من العالم لإسقاط أنظمة وإستبدالها بأنظمة مطواعة للسياسات الغربية، وسقوط الرواية الإسرائيلية حول الأحداث التي أعقبت عملية طوفان الأقصى بعدما فشلت وكالات الأنباء والإعلام الغربي التقليدي في رمي كل الإتهامات على الفلسطينين، وثبت أن من أطلق النار على المحتفلين في صحراء النقب ومن فجر منازل المستوطنين هو الجيش الصهيوني وليس مقاتلين فلسطينين، وأن الروايات عن الإغتصاب وقطع رؤوس أطفال المستوطنين مجرد كذبة جديدة، في حين تقوم الطائرات الإسرائيلية عبر شاشات التلفزيون بقصف المدن والقرى الفلسطينية وقتل المدنيين رجالاً ونساءً وأطفال.
ان شرارة وعي وإندفاع الشباب فاجأت صناع القرار في مداها لأنها لم تكتف بشعار وقف إطلاق النار بل خاضت في مشروعية دعم إسرائيل وغاصت في البحث عن مبررات وجودها في المنطقة على حساب وجود الشعب الفلسطيني في محاولة للتعبير عن الموقف الأخلاقي من هذه الأحداث.!!!
كثيرة هي الإحتمالات المستقبلية ولكن المؤكد أن عقارب الوعي السياسي في الغرب لن تعود إلى الوراء وأن المنظومة الصهيوأميركية لم تعد تملك القدرة على الإقناع الهادىء.

“الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل” شعار يختصر الكثير من المعاني التي تقال في قدرة الشباب على التغيير لأجل تحقيق خير المجتمع. فالشباب هو مرحلة تحمل معها القدرة والطاقة بعد طفولة أمضاها في أحضان أسرته وقبل كهولة يحتضن فيها أبناؤه ليخوضوا رحلة العمل والإنتاج والبناء، والحب، والقتال والتغيير.
إذا أردنا اليوم توصيف المشهد الحالي الذي نراه في الجامعات الغربية بعامة والجامعات الأميركية بخاصة، مستعيرين مقدمة خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في مناسبة الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 سيكون وصف المشهد كالتالي: أن هذا الجيل من الشباب والطلاب هو على موعد مع القدر الذي إختصه بأن يشهد ويصنع نقطة تحول حاسمة في التاريخ ، كمهرجان الشروق حين يحصل الإنتقال العظيم وقت الفجر من ظلام الليل الحالك إلى ضوء النهار الكاشف. انه موعد الانتقال من عالم القطب المهيمن الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، موعد نهاية الاستعمار والصهيونية.
إن الطلاب المنتفضين يعيشون لحظات رائعة، فالبسمة تعلو وجوههم مرتين: مرة لحظة اعتقال احدهم لأنهم يشعرون بمدى قوتهم ومدى تأثيرهم في الدفاع عن الحق الإنساني الذي عنوانه الأوحد “فلسطين”، ومرة اخرى حين تتعانق شهادات تخرجهم مع الكوفية أو العلم الفلسطيني باعتباره رمزًا لحرية الإنسان .
إنهم يعيشون لحظة إنتصار عظيم صنعته حركات المقاومة بمفكريها وقادتها ومقاتليها على مدى عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي مقدمها المقاومة العربية التي لم تبخل بدم منذ بدء حركة الإستيطان الصهيوني حتى اللحظة الراهنة، ولم يتسلل اليها اليأس او القنوط او الاستسلام.
ان الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية تشهد إحتجاجات سواء داخل الجامعات أو خارجها اليوم وهي ليست ظاهرةً طارئة على الشباب في الزمان والمكان.، فقد سبق ان تحرك الشباب داخل الحرم الجامعي أو خارجه في أكثر من مناسبة رافعين شعارات الاحتجاج أو التأييد أو المطالب، كرفض حرب فيتنام عام 1968 والمطالبة بإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في الثمانينات وبإنهاء التمييز العرقي ضد الأميركيين من أصل أفريقي، وفي أحيان أخرى حملوا مطالبات التغيير في قضايا ترتبط بسياسات جامعاتهم ونظامها التعليمي. وكان لبعض تلك الاحتجاجات، والتي اتخذت منحا دمويا في بعض الأحيان، تأثيرات عميقة على المجتمع والمشهد السياسي الأميركي عامة.
ففي عام 1968 وفي خضم الجدل الدائر بالأوساط الأميركية بشأن الحرب في فيتنام، تظاهر طلاب جامعة كولومبيا، للمطالبة بإلغاء جامعتهم لعقد يربطها مع مركز أبحاث للأسلحة ومنع خطط لبناء صالة رياضية في حديقة عامة في حي هارلم، الذي تقطنه غالبية من الأميركيين من أصل أفريقي وأقدم الطلاب المتظاهرون على احتلال عدة مبانٍ بالمؤسسة لمدة أسبوع، قبل أن يقتحم حوالي ألف رجل أمن الحرم الجامعي لإخلائهم. وخلال هذه العملية أصيب أكثر من 100 شخص، وقبض على أكثر من 700 شخص في ذلك اليوم،وقد استمرت الاحتجاجات لبقية الفصل الدراسي، مما شل الجامعة التي قررت في الأخير إنهاء علاقاتها مع مركز الأبحاث الدفاعي، وإيقاف خطة لبناء صالة الألعاب المتنازع عليها، وفقا لمجلة “تايم”. والتي قادت بالنتيجة إلى الانسحاب الاميركي المذل من فيتنام.
وفي نفس العام بدأت مظاهرات طلابية متفرقة تنادي بإصلاح النظام التعليمي في جامعة السوربون -أشهر جامعة في باريس- فقامت الشرطة بقمع التظاهرة، فتوقفت الدروس في الجامعة وتصاعدت وتيرة الإحتجاجات ومعها القمع، فطالب الطلاب بتغييرات جذرية في الاقتصاد وفي السياسة في فرنسا، وأضربت نقابة العمال عن العمل دعمًا للمظاهرات الطلابية، وفي 13 مايو احتل الطلاب مباني جامعة السوربون واشتركوا مع العمال في مظاهرات اجتاحت شوارع باريس، وإمتدت المظاهرات إلى جامعات فرنسية أخرى، وعمّت الإضرابات البلاد حتى اشترك فيها ملايين العمال فشُلّت فرنسا
الأمر الذي إستدعى إلى تفاوض رئيس الوزراء بومبيدو مع قادة اتحاد العمال في الأيام القليلة التالية وقدم عددًا من التنازلات، وإعلان الرئيس الفرنسي شارل ديغول ،وه بطل تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، إجراء انتخابات نيابية مبكرة. ولاحقًا قدم استقالته بعد تلك الانتخابات.
المميز في الحراك الشبابي الغربي المتضامن مع القضية الفلسطينية اليوم والذي يدين الاحتلال الصهيوني بشكل غير مسبوق ، أنه يتزامن مع حركة وعي ثقافي شبابية حول دور الحكومات الذي يتناقض مع مبادئ الحرية والديموقراطية الممارس على قضايا العالم العربي ورفضهم الإصطفاف الى جانب الاحتلال بأي شكلٍ من الأشكال. هذا الوعي المتنامي سوف يؤدي إلى تغييرات عميقة في مجتمعاتهم تصحح المسار الأوروبي من جهة، و إحتكار الحزبين الجمهوري والديموقراطي للحياة السياسية في اميركا من جهة أخرى.
لقد ظهرت نتائج سياساتهم الخارجية التدخلية الكارثية على مجتمعاتهم في شؤون شعوب العالم الثالث وبخاصة في المنطقة العربية، وأن أموال ضرائبهم تصرف بشكل سخي لمساعدة الاحتلال الصهيوني على قتل الأبرياء وتدمير المستشفيات والمدراس ودور العبادة على حساب حقوقهم الاجتماعية والإقتصادية حيث ترهقهم الضرائب وتقنن عليهم التقديمات حيث الملايين من الشعب الأميركي محرومون من الضمان الصحي لغياب التمويل فيما يتنعم الصهاينة على أرض فلسطين بمليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين!
ان شعارات ” لم تبدأ في 7 أكتوبر” و “فلسطين حرة من النهر إلى البحر” و”دعوا فلسطين تعيش”، “أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة” و”أوقفوا إطلاق النار الآن” و “إسحبوا الإستثمارات من إسرائيل”،تشكل بداية مقاربة أخلاقية للقضايا وللتاريخ والتحرر من السردية المعتمدة التي فرضتها المنظومة الغربية التعليمية والإعلامية بنجاح طوال عقود ماضية – بأن العرب إرهابيين يرفضون السلام و أن إسرائيل هي الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ويجب حمايتها- مستغلين بُعد المسافات الجغرافية وجهل الشعوب الغربية بالحضارة العربية، حيث غلب التنميط وصورة العربي الذي يجر جملاً في الصحراء ، ولكن ذلك لم يعد ممكناً بفعل عوامل عدة، أبرزها:

أمين الشؤون التربوية في المؤتمر الشعبي اللبناني محمد شاتيلا