رعاة البقر الأمريكي والشرق السوري

رعاة البقر الأمريكي والشرق السوري

بنظرة عامة الى التاريخ الأمريكي القديم وما ترافق معه من قتل و تهجير لشعوب أمريكا القديمة واستيطان واستباحة وتدمير للثقافة والأرض واستغلال ونهب للثروات على أيدي رعاة البقر القادمين الى القارة الجديدة تدفعهم رغبتهم في القتل والسطو والنهب دون اكتراث الى أصحاب الأرض وحقوقهم ، فما أشبه الماضي بالحاضر فحاضرهم لا يختلف عن ماضيهم فهم أحفاد قطاع الطرق والقراصنة وسالبي الحقوق وقاتلي الشعوب وناهبي الثروات ، فمنذ القرن الماضي شنت أمريكا العديد من الحروب عبر العالم لتدمير واحتلال واستغلال ونهب ثروات العديد من الشعوب الآمنة فلنا في فيتنام وكوريا وكوبا ودول افريقيا وغيرها الكثير ، وحديثا فأرض أمتنا السورية وثرواتها قد فتحت شهيتها لتفعل فيها احتلالا” وسلبا” ونهبا” وتهجيرا”، فبدء” من العام 2003 في بلاد الرافدين حيث عملت على احتلالها ونهبها وتهجير مكونها الاجتماعي ، وانتقالا الى الشام في العام 2011 فمع بدء الحرب فيها والتي كان للأمريكي الدور الأساسي في تأجيجها حيث عمل على التخطيط والتنظيم والدعم لأذنابه وعملائه فأشعلت الحرب وما زالت حتى يومنا هذا ، وبنظرة شاملة الى شرق الفرات والذي يتمتع بموقع استراتيجي هام وموارد طبيعية متنوعة وبكميات كبيرة ، فأرضه تضم معظم الثروة النفطية والزراعية والمائية بالإضافة لاكتشافات واعدة من مختلف المعادن الثمينة وخاصة المعادن النادرة والتي تسمى (أنصاف النواقل) المستخدمة في صناعة التكنولوجيا الحديثة وتكنولوجيا الفضاء ، وعندما بدأت الحرب على الشام كان لراعي البقر الأمريكي أدواته للإستيلاء على المنطقة لنهب ثرواتها وتدمير مكونها الثقافي والاجتماعي ، فمع نهاية العام 2012 عمل على دفع التنظيمات السلفية التكفيرية الجهادية والتي اطلق عليها اسم (داعش) للاستيلاء على المنطقة لتعمل فيها قتلا” وتهجيرا” ونهبا” ، مقدما” لها الغطاء اللوجستي والعسكري تمهيدا لتشكيل ما سمي لاحقا” الميليشيات الكردية أو وحدات حماية الشعب أو قوات سوريا الديمقراطية ، ففي العام 2014 تم تشكيل ما سمي بوحدات حماية الشعب الكردية مدعومة بالكامل من القوات الأمريكية لوجستيا” وعسكريا” وماديا” وذلك تحت ذريعة طرد قوات داعش وتطهير المنطقة من الجماعات السلفية التكفيرية ، وتم على أثر ذلك استيلاء القوات الأمريكية على منابع النفط والغاز والموارد المائية والمصادر الغذائية وانشاء اهم القواعد بمحاذات حقول النفط والغاز وتتم حماية هذه القواعد العسكرية من قبل الميليشيات الكردية حيث وصل تعداد هذه القواعد الى حوالي 28 قاعدة عسكرية بالإضافة لقاعدة التنف وهي الأكبر والتي تبعد عن المثلث الحدودي للشام والعراق والاردن 45 كلم غربا” ، فتقطع الطريق الواصل بين بغداد ودمشق ، ليصل تعداد الجيش الأمريكي في هذه القواعد الى حوالي 3000 جندي ، 1000 منهم في قاعدة التنف ، وتحتوي هذه القواعد أيضا”على مدرجات للطائرات ومراكز تدريب ومستودعات ذخيرة ، وبالطبع فالذريعة المعلنه هي لمنع تنظيم داعش من العودة للمنطقة ، بالاضافة لدعم المشروع الانفصالي الكردي أو ما سمي بالحكم الذاتي الكردي ، تمهيدا لتقسيم الشام الى كيانات على أساس طائفي وأثني ، تأسيسا” لمشروع (الشرق الأوسط الجديد) ، بالاضافة لمحاولة اضعاف الشام من الداخل من خلال الحصار ومنع امدادات الطاقة والغذاء ، مما أدى الى أزمات اقتصادية داخلية خانقة . وتقوم القوات الأمريكية بنهب البترول والغاز من خلال استجرار كميات يومية من حقول النفط تقدر بحوالي 350 ألف برميل تنقل في صهاريج الى تركيا عن طريق كردستان لتمويل ودعم القوات الكردية والأمريكية ماديا” بالاضافة لسرقة كميات كبيرة من المعادن النادرة ورمال السيليكا المكتشفة حديثا في المنطقة وشحنها جوا الى القواعد الأمريكية في تركيا وكردستان ومنها الى أمريكا، هذه المعادن تعتبر من أهم الثروات العالمية وقد تم اكتشافها حديثا بكميات كبيرة وبأعماق سطحية مما يسهل نهبها وسرقتها.
اهمية شرق الفرات.
تعتبر منطقة شرق الفرات من المناطق الاستراتيجية فهي الأغنى اقتصاديا في الشام حيث يقدر احتياطي النفط بحوالي 2,5 مليار برميل موزعة على عدد من الحقول مثل ( العمر ، التنك ، الجفرة ، كونيكو ، الورد ، الرصين ، السويدية ، الرميلان ، الشاعر ) وحوالي 1,5 مليار متر مكعب من الغاز ، جميعها تقع تحت سيطرة القوات الأمريكية والميليشيات الكردية ، بالاضافة لما تأمنه المنطقة من القمح والذي يقدر مجمل انتاجه قبل العام 2011 بحوالي 4,5 مليون طن من القمح سنويا وهو يعادل ضعف استهلاك الشام السنوي ، بالاضافة الى زراعة القطن فقد فازت الشام بالمرتبة الثانية عالميا بجودة انتاج القطن ذو التيلة الطويلة و قدرت كمياته بحوالي 1,5 مليون طن سنويا”. لذلك فمنطقة شرق الفرات تعد المصدر الأساسي للأمن الغذائي وأمن الطاقة في الشام بالإضافة لتعدد وتنوع المكون الإجتماعي (السرياني والآشوري والعربي والكردي) هذا التنوع الاثني والديني والثقافي الكبير الذي تتميز به منطقة شرق الفرات يعطي للمجتمع والمنطقة تميزها ، فكان لمشروع التهجير والتغيير الديمغرافي والصراع الداخلي وتفتيت المجتمع من أولويات الوجود الأمريكي وذلك تمهيدا لتقسيم المنطقة خدمة للكيان اليهودي المغتصب ، وتعمل هذه القوات أيضا على استمرار تقسيم كيانات الأمة فتواجد هذه القوات على الحدود بين الشام والعراق يقطع الطريق الرابط بين دمشق وبغداد مرورا” بمنطقة التنف ، وأيضا” فقد عملت القوات الأمريكية على قطع مشروع الخط البري (M4) والذي يربط الساحل الشامي بالحدود العراقية شمالا مرورا بمدينة حلب ومنها الى تل تمر مرورا بالحسكة وانتهاء” بالمالكية شمال شرق الجزيرة السورية وصولا الى شمال العراق ليكمل خط الحرير التاريخي شرقا” ، هذا الخط التجاري الهام ، بالاضافة لأهميته التجارية في ربطه الجزيرة السورية بخط بري سريع يصل الى موانيء الساحل الشامي تسهيلا للدورة الاقتصادية بالمنطقة ، وتعمل القوات الأمريكية أيضا” على التخطيط لتنفيذ مشروع استجرار الغاز والنفط من دول الخليج العربي عن طريق خط أنابيب وصولا” الى أوروبا مرورا” بالمناطق المحتلة أمريكيا” في شرق الفرات ، فالقوات الأمريكية المتواجدة شرق الشام تحتل كامل المنطقة بدء” من الجنوب من منطقة التنف وصولا شمالا الى الحدود التركية .
مما سبق نستخلص أن الوجود الأمريكي في منطقة شرق الفرات والعراق يزيد من أزمات الأمة السورية ويعمل على تأجيج الصراعات وتقوية ودعم الأطراف الانعزالية والسيطرة على الموارد الطبيعية ونهبها بشكل منظم وتغيير ديمغرافية المنطقة وقطع خطوط التواصل بين كيانات الامة واستنزاف جميع الاطراف المتصارعة وانشاء قواعد عسكرية لحماية مشروعها التقسيمي خدمة للكيان اليهودي المغتصب وحماية لأمنه ، لذلك يجب العمل على طرد هذه المحتل الغاصب واسقاط المشروع التقسيمي الكردي واسترداد الأرض والموارد الطبيعية واعادة لحمة المجتمع ، فما أخذ بالقوة لا يرد إلا بالقوة ، فالقوة هي القول الفصل في استرداد الحقوق القومية .
وكما قال انطون سعادة :(القضية السورية لا يحققها غير جهاد السوريين، الى هذا الجهاد ادعوكم، وما أغنت النيات عن الأعمال ، ولا قامت التمنيات مقام الأفعال ، فاختاروا لأنفسكم أحد المصيرين : مصير الاستسلام والانحلال ، أو مصير الثقة بالنفس والجهاد في الحركة القومية ، حتى يتم النصر ويقوم حق الأمة السورية) .