دراسة حول دستور الحزب القومي – الجزء الأول

دراسة حول دستور الحزب القومي – الجزء الأول

مقدمة: وضع أنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي نصوص دستور الحزب في 21 تشرين الثاني العام 1934 تنقيحه عام 1941، في المادة الخامسة منه، حدد سعادة الصيغة التنظيمية للحزب بأنه «حزب مركزي تسلسلي».

يؤكّد سعادة في رسالة وجهها الى أحد أعضاء الحزب وليم بحليس بتاريخ 28 آب 1941 منشورة في الآثار الكاملة الجزء 8 صفحة 192 ما يلي:

«يمكنك أن تطلع السيدّ المر على الدستور وليس على المراسيم الدستورية المدموجة فيه فيرى Hن امتياز الحكم الفردي في الحزب هو فقط لصاحب الرسالة ومؤسس القضية وليس نظاماً أساسياً دائماً والاتجاه الديمقراطي في نظامه صريح ولا يرفضه عقل صحيح».

يتضح من هذه الرسالة ان الحزب مركزي وان امتياز الحكم الفردي هو للزعيم صاحب الرسالة ومؤسس القضية، اما بعده فتطبق الديمقراطية، وبالتالي يكون الزعيم قد اختار نظرية المركزية الديمقراطية كأساس للنظام الدستوري في الحزب السوري القومي الاجتماعي. وقد طبق هذه النظرية في كافة مواد دستور الحزب ومراسيمه الدستورية وفي كافة تعاليمه. أما بعد استشهاده فطبقت نظرية اخرى هي نظرية فصل السلطات ولازالت مطبقة لغاية تاريخه، وكان لها انعكاسات سيئة على مسيرة الحزب ولغاية تاريخه. فما معنى المركزية وما معنى الديمقراطية المركزية وكيف طبقت في الدستور الذي وضعه سعادة ثم كيف دخلت نظرية فصل السلطات الى دستور الحزب وما هي مساوئها.

الفقرة الاولى: ماهية المركزية والديمقراطية

أولا ً: ماهية المركزية

 تعني المركزية وجود مركز قرار واحد يكفل وحدة الإرادة والنهج ويشكل المرجع الاعلى وتتركز فيه كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويمكن ان يكون هذا المرجع فرداً ام جماعة. والمركزية يمكن ان تكون مركزية مطلقة ومركزية تسلسلية وفي المركزية المطلقة يوجد مرجع واحد مطلق الصلاحية وفي المركزية التسلسلية يوجد مرجع أعلى ومراجع دنيا وأن المرجع الأعلى هو صاحب الصلاحية القانونية الأصلية في اتخاذ القرار وفي توجيه المراجع الدنيا وله حق ابطال وتعديل قراراتها كما وله الحق بتفويض صلاحياته الى مرجع أدنى واستعادتها ساعة يشاء ويرغب.

ثـانيـاً: ماهية الديمقراطية: ان الديمقراطية في التنظيم المركزي الديمقراطي تتمثل في الأسس التالية:

‌أ. احترام القرارات الحزبية وإطاعتها وتنفيذها

‌ب. ممارسة الأعضاء حقهم في إبداء الرأي والمناقشة وتقديم الاقتراحات وممارسة النقد والنقد الذاتي.

‌ج. تكون القيادة جماعية وتلتزم الأقلية بالخضوع الى قرار الأكثرية والأكثرية باحترام آراء الأقليةّ.

‌د. حق الأفراد الذين ينتمون الى التنظيم المركزي الديمقراطي في انتخاب قياداتهم.

ان نظرية المركزية الديمقراطية هي نظرية حديثة تبلورت في الربع الأول من القرن العشرين وقد اخذت بها الكثير من الاحزاب الثورية في العالم والحزب السوري القومي الاجتماعي من أوائل الأحزاب التي اخذت بهذه النظرية. وقد اعتمدها سعادة بكل صراحة ووضوح في دستور الحزب الذي وضعه في عام 1934. والجدير ذكره أن الغالبية الساحقة من الأحزاب الثورية والنقابات والجمعيات في العالم العربي والعالم تطبق نظرية المركزية الديمقراطية بصيغ وأشكال متعددة طبقاً لمفاهيم كل تنظيم، ومبادئه، وقناعات قياداته، وأعضائه.

إن كيفية المواءمة بين المركزية والديمقراطية يميز التنظيمات عن بعضها البعض ويحدد مدى تطبيق الديمقراطية في صفوفها.

ان التطبيق الصارم للمركزية على حساب الديمقراطية يمكن إذا تفاقم ان يؤدي الى الغاء الديمقراطية وتحكم فرد او مجموعة افراد بالتنظيم والهيمنة عليه، كما ان تغليب الديمقراطية على المركزية يمكن أن يؤدي الى الإنفلاش وضياع الإرادة الواحدة والنهج الواحد للتنظيم.

الفقرة الثانية: كيفية تطبيق المركزية والديمقراطية في دستور سعادة:

 ان دستور الحزب الذي وضعه سعادة رسم الاتجاه الديمقراطي. وان المرسوم الدستوري عدد أربعة المتعلق بمؤسسة لجان المديريات ومجالس المنفذيات ثبت الديمقراطية في الحزب عبر انتخاب القيادة من قبل القاعدة الحزبية طبقاً لما سنوضحه.

أولاً: المركزية بحكم فردي

طبق الزعيم سعادة النظام المركزي بحكم فردي في حياته فهو « قائد قواته الاعلى ومصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية » واعتبر ان الحكم الفردي هو امتياز له باعتباره « صاحب الرسالة ومؤسس القضية »، لكنه لم يمارس هذه السلطة بالقوة او عنوة او بالهيمنة بل بموافقة وارادة كل عضو في الحزب بحيث ان كل فرد يرغب ان ينتمي الى الحزب عليه ان يؤدي قسماً نصّت عليه المادة التاسعة من الدستور ورد فيه « وأؤيد زعيمه وسلطته »اي ان كل من ينتمي الى الحزب يرتضي ان يعبر الزعيم عن ارادته وبذلك يكون الزعيم المعبر عن وحدة ارادة القوميين جميعاً ووحدة نهجهم. وفي هذا يختلف سعادة عن الكثير من التنظيمات التي تعتمد النظام المركزي حيث عند وصول فرد او أفراد الى القيادة في التنظيم يهيمنون عنوة وبالقوة عليه ويمارسون حكم الفرد او أوليغارشية المجموعة.

ثـانياً: الديمقراطية في دستور سعادة

طبق سعادة أسس الديمقراطية المحدّدة أعلاه تبعا لما يلي:

1. احترام القرارات الحزبية وإطاعتها وتنفيذها:

 كل عضو ينتمي الى الحزب عليه ان يؤدي قسماً نصّت عليه المادة التاسعة من الدستور ورد فيه

«….. وان احترم قرارات الحزب وأطيعها وان انفذ جميع ما يعهد به الي بكل أمانة ودقة ….. »

2. ممارسة اعضاء الحزب حقهم في إبداء الرأي والمناقشة:

نصّت المادة الثامنة من الدستور: «لكل عضو في الحزب حق إبداء الرأي في الاجتماعات النظامية… وله حق إبداء الرأي لأي مرجع أعلى او للزعيم في كل ما يتعلق بشؤون الحزب الإدارية…. وله حق إبداء الرأي في خطط الحزب السياسية والاقتصادية للمراجع والهيئات المختصة رأساً وله حق الاتصال كتابة او شخصي اً بالمراجع العليا والزعيم».

. . . يتبع . . .