مأساة أطفال غزة تخطت الخطوط الحمراء

مأساة أطفال غزة تخطت الخطوط الحمراء

الأطفال في غزة وأوضاعهم المأساوية رهينة تصاعد الاعمال العدائية. هذا ما تطالعنا به وسائل الأعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات تكشف المأساة التي يعيشها أطفال غزة على كافة الصعد. حتى أبسط الاحتياجات نراها غير متوفرة. أقدام حافية، نقص في الملابس، خوف وذعر في عيونهم، يحملون أطباقاً أو طناجر بحثاً عن طعام أو “حميضة” أو أي شيء يقتاتونه. من جهة أخرى يقفون خلف بسطات صغيرة لبيع أي شيء تقع أيديهم عليه. أطفال يجهدون في توفير مبالغ بسيطة من المال من خلال عملهم في مهام بسيطة لبيع مياه وعصائر وبعض الأطعمة، في محاولة لشراء بعض مستلزمات عائلاتهم، التي فقدت كل شيء تقريباً بسبب حرب العدو الإسرائيلي على قطاع غزة، في وقت تشير بيانات الإحصاء الفلسطيني أن اقتصاد غزة فقد 90 بالمئة من الوظائف خلال شهور الحرب.
تصاعد الأعمال العدائية في قطاع غزة يؤدي دون أدنى شك إلى تأثيرات كارثية على الأطفال وعلى الأسر بطبيعة الحال. وبحسب تقرير لمنظمة اليونيسف، يموت الأطفال إما قصفاً أو جوعاً بمعدل مقلق. وتفيد التقارير عن مقتل أكثر من 14 ألف طفل، وفقاً لأحدث تقديرات وزارة الصحة الفلسطينية، وإصابة آلاف آخرين. ويُقدّر أن 1,7 مليون شخص في قطاع غزة هُجّروا داخلياً، وأكثر من نصفهم أطفال لا يحصلون على ما يكفي من الماء، والغذاء، والوقود والدواء.
تشير تقديرات منظمة اليونيسف إلى أن ما لا يقل عن 17 ألف طفل في قطاع غزة غير مصحوبين بذويهم أو منفصلين عنهم بسبب الحرب. قبل هذه الحرب كانت التقديرات تشير إلى أن أكثر من 500 ألف طفل يحتاجون إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي في القطاع. واليوم، تشير التقديرات إلى أن جميع الأطفال تقريباً أي أكثر من مليون طفل يحتاجون إلى تلك الخدمات.
إلا أن الأخطر من ذلك هو فقدان التعليم والتعلم. وبالتالي نحن أمام خطر تجهيل جيل لا يعرف متى تضع الحرب أوزارها ويعود إلى مقاعد الدراسة، هذا إذا كان هناك من مدارس قائمة بعد.
ووفق منظمة اليونيسف، فإن الأطفال انقطعوا عن الدراسة في القطاع المحاصر منذ بدء الحرب قبل سبعة أشهر حيث تم تدمير 8 من كل 10 مدارس، وهناك 325 ألف طفل في سن الدراسة لم يحضروا ساعة صف واحدة. وقد تحوّلت مدارس الأونروا في القطاع إلى مراكز إيواء لمئات آلاف النازحين، وتعرّض 67 في المائة من المدارس لضربات مباشرة، وتضرر 82 في المائة منها، وفق تقرير صادر عن منظمات غير حكومية بالاستناد إلى صور للأقمار الصناعية وتقارير ميدانية.
وستكون إعادة بناء المدارس خطوة أولى شاقة على طريق إعادة الأطفال إلى المدارس. لكن التحدي الحقيقي سيكون شفاء أطفال القطاع النازحين والتعامل مع الصدمات النفسية الناتجة عن الموت والدمار والجوع حتى يتمكنوا من العودة إلى التعلّم.
في رفح وحدها هناك أكثر من 600 ألف طفل محاصرون، وليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه. فقد دمرت منازلهم وتشتتت أسرهم. وظروفهم الصحية مأساوية. هؤلاء الأطفال يعيشون حالياً في مخيمات، ويقيم العديد منهم في الخيام أو في مساكن غير رسمية وغير مستقرة. وقد نزح العديد منهم عدة مرات، وفقدوا منازلهم، وأولياء أمورهم، وأقرباءهم، ومدارسهم. وبالتالي يحتاجون إلى الحماية، إلى جانب الخدمات المتبقية التي يعتمدون عليها، بما في ذلك المرافق الطبية والمأوى.
ووفق شرعة حقوق الطفل والقانون الدولي الإنساني لا يجب حرمان أي طفل من الخدمات الأساسية، ولا يجب منع المساعدات الإنسانية من الوصول إليه. وكذلك لا يجب احتجاز أي طفل كرهينة أو استخدامه بأي وسيلة كانت في نزاع مسلح. ويجب حماية المستشفيات والمدارس من القصف، ويجب ألا تُستخدم هذه المرافق لأغراض عسكرية. إن تكلفة العنف الممارس ضد الأطفال ومجتمعاتهم، سوف تتحملها الأجيال القادمة. هذا فضلاً عن الأوضاع النفسية التي تتملكهم من الذعر وأهوال الحرب، والغارات، والقصف، والجوع.
بالنسبة للأوضاع الصحية لأطفال قطاع غزة، المؤلم أن عدداً لا بأس به من الأطفال فقد أحد أطرافه أو الاثنين. فقد ذكرت إحدى المنظمات الخيرية ومقرها بريطانيا أن أكثر من عشرة أطفال يفقدون إحدى ساقيهم أو كلتيهما في غزة منذ السابع من اوكتوبر، وتتم العديد من عمليات البتر من دون تخدير. وتقول في بيان لها “أن قتل الأطفال وتشويههم أمر مدان باعتباره جريمة خطيرة. ويجب محاسبة مرتكبيها”، مضيفة “إن تأثير رؤية أطفال يعانون من هذا القدر من الألم وعدم توفر المعدات والأدوية اللازمة لعلاجهم أو تخفيف الألم هو تأثير كبير جداً حتى على المهنيين ذوي الخبرة. وحتى في منطقة الحرب، لا يمكن تجاهل مناظر وأصوات أطفال صغار مشوهين بالقنابل”.
في ظل هذه الظروف القاسية والصعبة التي يعيشها أطفال غزة، لن تكون الحلول سهلة طالما أن الحرب ما زالت دائرة رغم كل المحاولات لوقفها. سنوات طويلة ستمر قبل أن يتعافى هؤلاء الأطفال من تأثيراتها المؤلمة، وقبل أن يعودوا إلى أحوالهم الطبيعية.