وفق الديالكتيك، وإلى ما قبل عقود كان قانون التناقضات أكثر تحديداً ووضوحاً.
التناقض الأساسي مع الإمبريالية العالمية وفي مقدمتها الأمريكية، وهو تناقض يشمل كل شعوب الأرض وقوى التحرر الوطني، الطبقي.
التناقض الرئيسي المستمد من (التناقض الأساسي) ويشمل التناقض الخاص بكل أمة وشعب وهو التناقض التناحري مع العدو الصهيوني بالنسبة للعرب.
التناقض الثانوي الذي لا يرتقي إلى مستوى الصراع بل يدور بين النزاع أو الخصومة سواء في شأن اجتماعي أو سياسي داخلي أو بين الدول على الحدود والمياه وما شابه ذلك.
وهو ما يعني بالمحصلة أن الإمبريالية الأمريكية ناهيك بالعدو الصهيوني، ليست طرفاً محايداً أو وسيطاً بأي شكل من الأشكال.
انطلاقاً من ذلك، منذ الانهيار السوفياتي والمعسكر الاشتراكي ودخول روسيا الصين ضمن تشكيلات اقتصادية – اجتماعية جديدة ليست اشتراكية بل خليطا من رأسمالية (الدول العميقة) و(الانفتاح) الاقتصادي، كيف نحدد معسكر الأصدقاء والأعداء والخصوم وهل صارت روسيا والصين مثل البلدان الرأسمالية الأخرى أم أن لعودة الجيوبولتيك إلى المشهد العالمي تداعياتها الهامة على هذا الصعيد…
فيما يخص الحالة العربية والبلدان الشبيهة التي لم تنجز ثورة التحرر الوطني ودولتها القومية الاتحادية، على غرار أوروبا عبر الثورة الصناعية البرجوازية أو على غرار فيتنام، الصين عبر الثورة الاشتراكية (تحرير – توحيد قومي– تقدم).
ثمة إشكالية نظرية وسياسية يفاقم منها دخول العالم كله عصر الثورة المعلوماتية والأشكال المختلفة لتحول السلطة ومفهومها المتغير – ناهيك باستحقاقات الصراع العربي الصهيوني وأفول دول التبعية القطرية وميلها للتفسخ الاجتماعي والسياسي معاً. والأخطر تصعيد أقلام الاستخبارات الأطلسية لقوى بعينها كبديل للحرس البيروقراطي، هي خليط من جماعات تسوق كجماعات ليبرالية، ومن جماعات إسلامية ناعمة وخشنة على حد سواء.
في ضوء ما سبق يمكن ملاحظة ما يلي:
بالإضافة إلى خطوط النفط والغاز فإن دخول الجيوبوتيك على المسارات السياسية – الاقتصادية الدولية، صار عاملاً حاسماً في رسم التناقضات والاصطفافات المترتبة عليها.
ونشير هنا إلى البعد الأوراسي بالنسبة لروسيا – وإلى طريق الحرير وحرب الموانئ بالنسبة للصين.
كما إلى الموقع الجغرافي للوطن العربي في قلب كل هذه المسارات، فهو الجنوب الحيوي للأوراسية وهو الغرب الحيوي لطريق الحرير ولا سيما بحاره الكبيرة: المتوسط، الأحمر، الخليج.
إن تراجع قوى التحرر الوطني في الشارع العربي، تراجع لصالح قوى مبرمجة في أقلام الاستخبارات الأطلسية وهي:
أ. الجماعات الليبرالية التي لا تعكس مصالح قوى طبقية ناشئة، بل مجاميع مقحمة على الشارع المذكور.
ب. جماعات الإسلام الأطلسي، التي طالما استخدمت ضد حركة التحرر من شركة الهند الشرقية البريطانية وقلم الاستخبارات فيها، إلى شركة قناة السويس، إلى شركات النفط والغاز ومحمياتها.
نستنتج من ذلك:
مقابل البعد الاشتراكي السابق كقاسم مشترك كان يجمع شعوب العالم وبضمنها العرب مع روسيا والصين… فإن الجيوبولتيك الذي أعاد إنتاج التناقض مجدداً بين المتروبولات الإمبريالية والبلدين المذكورين يعيد إنتاج التحالف الموضوعي القديم ضد هذه المتروبولات.
وهو ما يعني أنه إذا لم تعد روسيا والصين اشتراكية فهذا لا يعني أنهما صارا جزءاً من المعسكر الآخر، ناهيك بأن الإمبريالية لا تنطبق بأي شكل من الأشكال على روسيا (تصدير الرساميل والصراع على الأسواق والمواد الخام…الخ) فروسيا ليست بلداً مصدراً للرساميل فضلاً عن كونها مصدراً للنفط والغاز والحديد ولا تقاتل عليه خارج حدودها إلا بالقدر الذي يمس مواردها نفسها.
إن العرب أمام نمط من التناقضات الجديدة يتحدد فيها الليبراليون وجماعات الإسلام الأطلسي كجزء من المعسكر الآخر (المتروبولات الرأسمالية وتحالفاتها) وهي الجماعات التي تتخذها المتروبولات مطية وأداة ضد روسيا والصين أيضاً، فتصبح المواقف منها قواسم مشتركة بين الحالة العربية و(البلدين المذكورين).