أيّها القوميّون الاجتماعيّون…
تسعون خلت وما زالت جذوة النّهضة متّقدةً تضيء الطّريق نحو قيم الحقّ والخير والجمال، وما زال النّضال في سبيل الأمّة وتقدّمها مستمرّاً بكلّ الأشكال وعلى كافّة المستويّات…
تسعون خلت وما زالت الأمّة في صراعٍ مريرٍ من أجل الحياة، ومن أجل الحرّيّة…
وإنّ راهنية فكرنا دفع بالكثير من القوى السياسية والاجتماعية الى تبنيه، خصوصاً في الجانب الإصلاحيّ…
رفيقاتي، رفقائي…
عامٌ آخر يمرّ وبلادنا ملتقى الأطماع الخارجيّة، ومحطّ أنظار العالم، بما فيها من خيرات ومقدّرات… لكنّ التّطوّرات التي حصلت خلال هذا العام كان لها تأثير مضاعف في مسيرتها، فعلى المستوى الدّوليّ بدا الانقسام العموديّ الحاصل في العالم بين المعسكر الأمريكيّ-اليهوديّ والمعسكر المعاكس، والذي ظهر بعد الحرب الأخيرة، وكشف عن العودة إلى الفكر القوميّ وأثبت مقولة زعيمنا بأنّ الواقع البشريّ واقع أممٍ وقوميّات… هذا الانقسام شكّل عامل خطرٍ وجوديّ إضافيّ على أمّتنا في ظلّ مكامن الضّعف والتّجزئة التي تجعل منها في حالة تقهقرٍ تامّة.
أمّا على المستوى الإقليميّ، فالقوى المحيطة ببلادنا تستمرّ في خرق سيادتنا والتّعدّي على أرضنا وإفقاد مجتمعنا كلّ عوامل القوّة فيه… إن متّفقةً أو متناقضةً، وفي الحالين يبقى تأثيرها السّلبيّ واحداً، سواء على مستوى إبعاد كيانات سايكس بيكو عن بعضها البعض، أو تفعيل المشاريع التّقسيميّة في عددٍ منها، أو على مستوى خنق الحياة الاقتصاديّة وعناصر القوّة المنتجة فيها، أو مستوى تأزيم الحياة السّياسيّة والدّستوريّة، أو حتى التّرويج لثقافاتٍ غريبةٍ ومدمّرة… وكلّ منها ينظر إلى أمّتنا حسب مصالحه واستراتيجيّته الخاصّة؛ وذلك دون أن ننسى الخطر الوجوديّ الجاثم فوق جنوبنا والذي يواصل غطرسته الوقحة ضدّ أرضنا وشعبنا ومواردنا…
كلّ هذا نراه، وسط وهنٍ يصيب جسد الأمّة وينخر في بنيتها أخلاقيّاً وثقافيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً، ويتمثّل بنحوٍ أوّل في الإمعان بإضعاف الهويّة القوميّة، وشيطنة أيّ صوتٍ ينادي بالانتماء إلى المجال الطّبيعيّ، أو بمقاومة الاحتلال المباشر، والنّفوذ غير المباشر ظاهراً كان أم خفيّاً… فضلاً عن تدمير أي مجال للنّموّ والتّقدّم، عبر التّدخّل العلنيّ، أو عبر أرباب الفساد المتآمرين على البلاد ومقدّراته…
أيّها القوميّون الاجتماعيّون…
في ظلّ هذه المعطيات المتراكمة على أمّتنا، تأتي ذكرى التّأسيس لتعيدنا إلى حقيقة دورنا في وعي أزمات أمّتنا كلّها، وإدراك طبيعة الحلّ المستدام لها… ولتقدّم لأبناء بلادنا أنموذجاً مناقبيّاً وثقافيّاً فريداً مبنيّاً على المعرفة العلميّة والمنهج المنطقيّ…
لذلك، فإنّ مسؤوليّتنا، بوصفنا حاملين لفكر سعاده ومتعاقدين معه في الانتماء إلى حزبه ومؤسّساته الدّستوريّة، تصبح مضاعفةً لناحية صقل ثقافتنا الحزبيّة والعامّة، ونشر الوعي في المجتمع، كما لناحية الاهتمام بهواجس مواطنينا وهمومهم الاقتصاديّة والمعيشيّة والاجتماعيّة… وبالتّالي تحديد موقفنا وسلوكنا من أزمات القطاع العامّ، والمؤسّسات المستقلّة، والقطاع التّربويّ، وتأمين الحاجات الحيويّة، ومشاريع الخصخصة، إضافةً إلى الدّفاع عن حقوقهم الأساسيّة في الحياة والعمل والتّعليم…
مسؤوليّتنا كذلك تتجلّى في العمل من أجل الحرّيّة والتّحرّر، ومن أجل التّنمية والتّقدّم، وهذا ما لا يتمّ إلّا من خلال الانخراط الجدّيّ في العودة إلى ساح الجهاد، وذلك عبر تنكّب دورنا في محاربة الفساد وتقديم المشاريع الإصلاحيّة، كما عبر الدّخول جدّيّاً في ميادين المقاومة كافّة: ثقافيّاً وسياسيّاً وإنتاجيّاً ونضاليّاً…
ويا أبناء بلادنا…
هذا هو الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ الذي وُلد من قلب مجتمعكم ورسخ فيه، والذي حمل قيم بلادنا العليا وتاريخها الحقيقيّ، وعمل بوحي شرعنا الأعلى، هو القوّة الفاعلة التي تهدف بمبادئها وغايتها إلى رقيّكم وازدهاركم، لأنّه يراكم أمّةً حيّةً ويريد الانتصار بكم لا عليكم…
أيتّها الرّفيقات، أيّها الرّفقاء…
إنّ ذكرى التّأسيس ليس مجرّد احتفال، كما أنّ العودة إلى ساح الجهاد ليس مجرّد شعار… فالعبء الذي تلقيه الحركة السّوريّة القوميّة الاجتماعيّة على أكتافنا ثقيل لا يضطلع به إلّا ذوو النّفوس الكبيرة، لذا تنتظر منّا فعلاً كبيراً يوازي هذا العبء، لنثبت أنّنا قوّةٌ فاعلةٌ لأمّةٍ حيّة؛ ويكفينا فخراً أنّها اختارتنا لنكون رسلاً أمناء على قضيّتنا وعلى أمّتنا…
ولتحي سورية، وليحيَ سعاده…