“ربيع فلسطين” وكيف انقلب السحر على الساحر

“ربيع فلسطين” وكيف انقلب السحر على الساحر

لم تتمكن كل الازمات التي عاشها النظام السياسي اللبناني من تظهير حالة العداء اللبناني – السوري، كما نجح اليوم بعض العنصريين من سياسييه المرتهنين لمشاريع الخارج، الذين استطاعوا ترك بصمة مؤثرة على العلاقة بين أبناء الكيانين الملتصقين جغرافياً والمترابطين تاريخياً وعائلياً. ولا يخدم العدو الإسرائيلي الذي نخوض معه اليوم حربنا الوجودية، إلا هذه الهجمات، مرة على شرعية عمل المقاومة وكذلك على النزوح من منطلق انه يؤثر على عمق لبنان القومي، وبقصد تجذير حالة العداء بين شعبنا الواحد وهذا هدف أساسي للعدو وداعميه. ولا يصعب على المرء الاستنتاج ان هذا أحد تداعيات الربيع العربي الذي وضعته دوائر الغرب لمنطقتنا ولكل دولة كان له شكل، وصولاً الى ما جلبته على الجمهورية السورية من ويلات لا تزال مستمرة عليها منذ عقد ونيف، ودون توقف، وما يزال أعداء الأمة يراهنون على نتائجه.
علماً، وإذا عدنا الى الوراء قليلا، نرى ان هؤلاء العنصريين كانوا بالأمس يوجهون التحية الى من سبب هذا النزوح، والى الإرهاب الذي كان ينتقل من مدينة الى أخرى فيدمر ويقتل ويقضي على كل مفاعيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية متآمراً مع الشريك التركي، حليف الغرب الداعم. فاذا بهذه الابواق ترتفع اليوم بكل وقاحة العنصرية والعداء الذميم ضد السوري النازح، بعد سياسة الدولة اللبنانية بالنأي بالنفس التي اعتمدت آنذاك، وأدت لتنامي النزوح دون شروط او قيود. وأدت تلك السياسة الى ما أدت اليه من فوضى وممارسات ونتائج لا قدرة لدولة منهارة على معالجة تداعياتها … لحين وقوع حرب اسناد غزة من جنوب لبنان ردآ على حرب الإبادة القاتمة الى الآن على الفلسطينيين (مئتا يوم) فكان الخطاب السياسي العنصري، وسيلة مقصودة لتثبيت العداء ولتوتير الساحة الداخلية واشعال المقاومة عن دورها في الجنوب بإشكاليات الداخل، فكان الفريق عينه الزاعم ان “لبنان لا يريد الحرب” “لبنان يحب الحياة” يسعى جاهداً الى التهديد بحرب تحرير لبنان بالقوة من النازحين!!! وأشبه بساعة الصفر، جاءت الحادثة الجنائية (سرقة وقتل) لأحد المسؤولين من حزب “القوات اللبنانية”، وكاد ذلك يشعل فتنة كبرى رغم تأكيد الجيش والمؤسسات الامنية، طبيعتها الجنائية ولم يردعهم عن الاستمرار برفع شعار الاستهداف السياسي للجريمة، سوى تدخل السفارة الأميركية بالأمر.
علماً ان حادثة قتل اخطر ارتكبت بمواطن صراف، وفيها بصمات الموساد، وهو على لوائح العقوبات الأميركية، لم يحرك “فتنة “لا من اهله وحزبه ولا من ادعياء السيادة انفسهم من “النزوح” الملف الجاهز للانفجار من النافخين بنار الفتنة واثقاله الامنية والاجتماعية على البلد ولا زالت الدولة اللبنانية، لا تجرؤ على الحل الجذري الذي يتطلب تواصلاً واضحاً مع الدولة السورية، وأيضا ،تضامناً يكفل مواجهة قانون قيصر وعقوباته وحصاره، بعدما جددته الإدارة الأميركية منذ اشهر لنحو عقد من الزمن، كما أصدرت مؤخراً قانوناً اخر بعقوبات جديدة على الشعب السوري، هو قانون الكبتاغون .. وهذا امر يوقف أي دعم مالي للسوريين من الأمم في قراهم في الداخل السوري، وايضاً يمنع تفعيل إعادة اعمار هذا البلد ليستطيع النهوض من تحت ركام مصائبه الجمة.
تداعيات الربيع العربي، التي حولت منطقتنا الى حال من البركان المشتعل من داخله، بقصد ابعاد امتنا عن القضية الأساس وهو وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي والذي قصد منه الغرب تثبيت الاستعمار القديم بثوب جديد، لسلب منطقتنا ثرواتها الغنية، وكان اخرها الاتفاقات الابراهيمية بقصد الهيمنة على المنطقة بعناوين الدين، ودون أي حل للفلسطينيين ان في لجوئهم او في سجنهم المفتوح او بين الجدران ومدى الحياة.
وما الحرب الدائرة اليوم في فلسطين الا انقلاب على كل تجاهل الغرب وخططه ومراميه. والتي كشفت زيف انسانيته وقوانينه الدولية واهداف قانون الفيتو لديه، وكان ما لم يتوقعه هذا الغرب وامبراطوريته اميركا وانفجرت ساحات جامعاتها، لتعلن ان الربيع الذي ارادوه مكسباً لأنفسهم جاءهم هذه المرة من جامعة كولومبيا في نيويورك، اولاً وامتد الى جامعات الولايات الأخرى، يهتف بالحرية لفلسطين … وهنا كان الرعب الحقيقي الذي زلزل الإدارة الأميركية والإسرائيلية على السواء، ودفع نتنياهو الى اعتبار ما يجري بالأمر “المروع”.
رغم قيود الاعلام، وقيود ايباك على الإدارة السياسية، وقيود القوانين التي سبق واقرت لتكبل كل رأي حر يساند فلسطين، بتهمة معاداة السامية فإذا بالأعلام الفلسطينية وتراثها الكوفية يغزو شوارع عواصم العالم رفضاً للظلم وللقتل وللإبادة الجارية ولاستمرار اغتصاب ارض هي من حق أهلها المهجرين اللاجئين او المدفونين في مقابر جماعية، تتناقل مآسيها صفحات التواصل الاجتماعي، فيما العالم معدوم الإنسانية يدوس القوانين بجبروت الطغاة المجرمين.
وهكذا انقلب السحر على الساحر وإذا بالربيع الفلسطينيين يغزو جامعات اميركا وكذلك كندا ومعظم أوروبا، فيزلزل الإدارة الأميركية ومخططاتها لبلادنا ويجعلها تفقد اعصابها في سلوك أمني غاضب، يقلقها ان يضاعف تأثيراته على وعي الشعب وعلى مواقع القرار والسلطة السياسية.
إذا هو العالم يتأزم أكثر والمقاومة التي استطاعت بصمودها في غزة اطالة أمد الحرب، وكسب الرأي العام العالمي، تعيد خلط الأوراق وهي أيضا في جنوب لبنان، لن يبدل موقفها او استراتيجيتها ،صراخ عملاء الداخل، عن اشغالها العدو شمالا لمساندة غزة الصامدة باعتراف العدو نفسه انه زمن تغيير المعادلات الذي يصوغه “ربيع فلسطين” القادم من المقاومة الصامدة ومن محور داعميها رغم الجرائم والتدمير وبإرادة لا تلين.
_رئيسة التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *